للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أوقات محدودة ومقدار محدود. وإنما كان ذلك واجبا؛ لأن أفعالنا تكون سبباً عن تلك الأسباب التي من خارج، وكل مسبب يكون عن أسباب محدودة مقدرة، فهو ضرورة، محدودة مقدرة. وليس يُلقَى هذا الارتباط بين أفعالنا والأسباب التي من خارج فقط, بل وبينها وبين الأسباب التي خلقها الله تعالى في داخل أبداننا. والنظام المحدود في الأسباب الداخلة والخارجة، أعني التي لا تخل هو القضاء والقدر الذي كتبه الله تعالى على عباده وهو اللوح المحفوظ، وعلم الله تعالى بهذه الأسباب وبما يلزم عنها هو العلة في وجود هذه الأسباب ولذلك كانت هذه الأسباب لا يحيط بمعرفتها إلا الله وحده ولذلك كان هو العالم بالغيب وحده على الحقيقة كما قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} , وإنما كانت معرفة الأسباب هي العلم بالغيب؛ لأن الغيب هو معرفة وجود الموجود في المستقبل أو لا وجوده"١.

إلا أن هذه الكتابة بناء على العلم لا تدل على حتمية السلوك المعين للفرد؛ لأن التقدير بناء على العلم لا بناء على الجبر، فإن الإنسان البصير قد يرى أعمى يسير نحو هاوية فيستطيع أن يعرف مصير هذا الأعمى، ولو أنه كتب هذا المصير وقضى بأنه سيقع ووقع ما كتب فلا يكون بذلك قد أجبره على الوقوع، إذن سلوك الإنسان بالنسبة إليه سلوك حر مبني على اختياره, وهو بالنسبة إلى الله حتمي وقضاء وقدر؛ لأنه علم وقدر وقضى.

٢- تتحدد حرية الإنسان بموقفه من قوانين الطبيعة وقوانين الأخلاق: فهو مأمور بتطبيق قوانين الأخلاق أدبياً وخاضع لتطبيق قوانين الطبيعة واقعياً.


١ مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد. تحقيق الدكتور محمود قاسم ص ٢٧٧ ط ٢.

<<  <   >  >>