للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن بناء على غايته في الخلق خلق الخلق وعلم أن ما خلق ينتهي إلى ما قدر وبناء على علمه، لهذا وذاك قدر ما سيكون عليه الخلق وقضى ثم كتب ما قدر وقضى.

من هذا نفهم وجود جبرية في العالم تتمثل أولاً في مصير الإنسان, فإنه لا بد من أن يموت مثلاً, ولا بد من أن يحيا مرة أخرى, وتتمثل أيضاً في أنه مقيد بإطار معين من أطر جبرية الكون من حيث إنه مقيد بالقوانين الطبيعية عموماً وبقوانين الطبيعة البشرية خصوصاً.

ومن ثم جاءت النصوص التي تثبت المشيئة المطلقة والحرية لإرادة الله. {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ؛ لأن مشيئته الكلية قد سبقت الوجود أولا ولا بد من أن تتحقق ثانياً, وإذا عبر عما سيكون عليه الأمر مستقبلاً عبر عن علمه تعالى بما سيكون عليه؛ لأنه يعلم حاضر الشيء ومستقبله، ولا يمكن أن يتغير علمه ولا يمكن أن يغير أيضاً ما كتب بناء على هذا العلم ولهذا قال الرسول: "جف القلم على علم الله تعالى" ١؛ لأن العلم هو معرفة الأسباب وما تؤدي إليه، وإذا كان الله خلق الأسباب فيعلم مقدماً نتائج الأسباب، ويعُدُّ "ابن رشد" تلك الأسباب وما تؤدي إليه هي القضاء والقدر؛ لأن الأسباب لا تتخلف عن نتائجها ويسمى العلم بتلك الأسباب العلم بالغيب فيقول: "ولما كانت الأسباب التي من خارج تجري على نظام محدود وترتيب منضود لا تخل في ذلك بحسب ما قدرها بارئها عليه، وكانت إرادتنا وأفعالنا لا تتم ولا توجد إلا بموافقة الأسباب التي من خارج فوجب أن تكون أفعالنا تجري على نظام محدود أعني أنها توجد


١ التاج جـ ٥، كتاب الزهد والرقائق ص ١٩٣.

<<  <   >  >>