للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا فإن الله لم يرد أن تكون إرادة الجبر قاعدة عامة في تنفيذ كل شيء وتوجيه الناس إلى أعمالهم. سواء كان الجبر الداخلي أو الجبر الخارجي بل أراد أن تكون إرادة الاختيار هي الأساس في شئون حياة الإنسان إذ إنه نصب له دلائل الخير والشر وبين له طريق الهدى والضلال وعاقبتهما في الدنيا والآخرة وخلق فيه قوة البصيرة والإدراك والتمييز ليستطيع بها التفرقة بين ما يضره وما ينفعه إن عاجلاً أو اجلاً، ولهذا اقتضت إرادته ألا يقهر الناس بعد ذلك على أحد الطريقين بل اقتضت حكمته أن يبين للناس أنه يحاسبهم ثواباً أو عقاباً على اختيارهم لأحد الطريقين، وهذا الثواب أو العقاب قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة، ولكن الحساب العادل والجزاء الوافي سيكون في الآخرة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ١، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} ٢، {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} ٣.

لا يلزم من إرادة الاختيار عند الإنسان عجزه سبحانه وتعالى عن تنفيذ مراده، بل إن هذا يعتبر تنفيذاً لمراده؛ لأنه أراد هذا فكان ما أراد.

ولا يلزم أيضاً أنه بذلك أراد الشر؛ لأنه ترك حرية للإنسان أن يفعل الخير والشر مع خلق القدرة فيه لهذا وذاك، وإذا كان هذا يعتبر إرادة الشر من جهة فإن إرادة الشر هنا ليست من الله لنفسه ولا للإنسان بل من الإنسان للإنسان {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ٤، فإن الله قد خلق


١ يونس: ٢٣.
٢ الإسراء: ١٥.
٣ الإسراء: ١٣.
٤ يونس: ٤٤.

<<  <   >  >>