للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العالم بما يناسب الإنسان وخلق فيه كل ما يحتاج إليه بحكم خلقته وطبيعته, وهنا يقول ابن عربي: "واعلم أن الإنسان فيه مناسب من كل شيء في العالم فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه"١. وعلى الإنسان إذن أن يتصرف بما يناسبه ويوافقه ولا يخالف نظام الطبيعة الذي خلق مناسباً له حتى لا يصيبه الشر ولكن نتيجة جهله حينا وتصرفاته الخاطئة واصطدامه بالقوانين الطبيعية والأخلاقية يصيبه الشر، فالشر إذن منه وإليه.

وأخيراً لا يلزم من علمه تعالى أن الإنسان سيرتكب الشر، أنه بذلك أراد الشر بل إن علمه هذا لا يعتبر إرادة. فإنني عندما أضع أسئلة للامتحان مثلاً أعلم أن هناك من الممتحنين من يرسب في الامتحان ولكنني بذلك لم أرد رسوب أي إنسان ولا يرجع سبب سقوطه إلي بل يرجع إلى نفسه.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى الله فإنه عندما أعطى للإنسان حرية الاختيار لم يرد من أي إنسان أن يفعل الشر بل أراد أن يتبع الخير {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ٢، {وَتِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ} ٣، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} ٤، {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} ٥.

ثم إن الله بإرادة الاختيار هذه قد أراد للإنسان حرية, وبهذه الحرية أراد له الكرامة لكن هل نستطيع أن نقرر من هذا أن للإنسان مطلق الحرية؟.


١ ذخائر الأخلاق، ابن عربي ص ٩٥.
٢ البقرة: ١٨٥.
٣ آل عمران: ١٠٨.
٤ الفرقان: ٦٢-٦٣.
٥ المائدة: ٦.

<<  <   >  >>