إن إعطاء سلطة الإلزام للجماعة من الأهمية بمكان، ذلك أن من الناس من يكون وازعهم الإيماني ضعيفاً فلا يخافون من الله خوفهم من الناس، فلو أنهم تركوا وشأنهم لبثوا الفساد في المجتمع، ثم إن هذا الإلزام محسوس مادي يناسب جميع الناس، وإن كان السلوك الأخلاقي الذي يتم تحت سلطان إلزام الجماعة أقل قيمة من السلوك الذي يتم بدافع الإيمان بالله تعالى، ومهما يكن من أمر فمن الأهمية بمكان أن تطبق الجماعة قوانينها، ومسئولية الجماعة عن انحراف الأفراد ترجع في أساسها إلى عدم إنكارها السلوك المنحرف مع إمكان إنكارها إذ إن هذا إن دل على شيء فإنما يدل رضاها لوقوعه، ولهذا متى زاد الفساد في المجتمع فإن الله ينزل عليه البلاء الذي يعم الفاسدين وغير الفاسدين والعصاة وغير العصاة؛ لأن غير العصاة يعدون عصاة؛ لأنهم رضوا بالفساد والعصيان وإن كان مقدار مسئوليتهم أقل من مسئولية أولئك.
وإلى جانب اعتداد الإسلام بالجماعة مصدراً للإلزام الأخلاقي يعتد أيضاً بالعقل والإدراك؛ لأن الإنسان عندما يدرك -عادة- أن عاقبة فعله ستكون أليمة فإنه يتجنبه وإذا كانت سارة فإنه يفعله. كذلك إذا رأى خيراً من سلوك التزم به أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك فإنه يتركه، ولما كانت الأخلاق وسيلة الخير في الدنيا والآخرة في حين أن التجرد منها وسيلة لشر، فإن العاقل يلتزم بها عقلا؛ ولهذا سيقول أهل النار يوم القيامة {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ١.