للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن مصادر الإلزام في رأي الإسلام الضمير الخلقي؛ لأن الإسلام -كما بينا- فيه حاسة أخلاقية يميز بها ما هو حسن وجميل من سلوك مما هو قبيح وضار، ومن ثم تطمئن النفس إلى السلوك الجميل وتقشعر من السلوك القبيح، ومن ثم يدفعه إلى الالتزام بالأول والابتعاد عن الثاني مصداق ذلك قول الرسول: "البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس" ١، وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ٢، {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ٣.

ثم يعتد الإسلام أخيراً بالدوافع النفعية عاملاً من عوامل الإلزام والالتزام بالقيم الأخلاقية؛ لأن الإنسان بطبيعته يحب الخير والنفع لنفسه والبد منه لحاجته الأساسية إليه, ومن هنا يشوق الناس إلى الأعمال الصالحات ويعدهم بالمكافآت الجزيلة عليها في الدنيا والآخرة وينذر المسيئين من عاقبة سيئاتهم {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} ٤، {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ٥، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} ٦, وهكذا نجد كثيراً من النصوص التي تستميل القلوب وتدفعها إلى الأخلاق الطيبة، وسوف نذكر مزيداً منها في موضوع الجزاء الأخلاقي.


١ مسند الإمام أحمد جـ ٤ ص ٢٢٨، صحيح مسلم جـ ٤. ك ٤٥. ح١٥.
٢ ق: ٣٧.
٣ الزمر: ٢٣.
٤ الجاثية: ٢١.
٥ الحج: ٥٠.
٦ النور: ٥٥.

<<  <   >  >>