للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام لهذه النقطة معالجة قيمة.

ذلك أنه أنقذ الإنسان من الحيرة من الناحية التشريعية ومن الناحية العملية كذلك لم يدع إلى الالتزام ببعض الخيرات وعدم الالتزام بالبعض الآخر بل إن الخيرات كلها لازمة في رأيه، لكن لما كانت هذه الخيرات غير متناهية من حيث أنواعها ومن حيث درجاتها، ولما كان الناس يختلفون من حيث القدرات والإمكانات المادية والمعنوية والميول والرغبات فقد حدد الأعمال الخلقية من ناحية نوعية الأعمال التي تلزم في الدرجة الأولى، والتي تكون مشتركة بين جميع المكلفين وعلى أساسها تميز بين الإنسان الأخلاقي واللا أخلاقي، فهي أولا المعيار الأول لوزن الناس ثم إنها تتلاءم مع جميع الناس وهي الواجبات العينية من الناحية الإيجابية والكبائر من الناحية السلبية. ثم يلي ذلك في كل ناحية المراتب التي ذكرناها سابقاً.

وهذه من ميزات الأخلاق الإسلامية التي تتميز بها على الأخلاق الفلسفية فإنني ما رأيت فلسفة أخلاقية قد نظمت وبينت الأعمال الأخلاقية وموضوعات الخير الأخلاقي ودرجات الالتزام بها كما بينها وفصلها الإسلام.

هذه من الناحية العَرْضِية وأما من الناحية الطولية فإن الإسلام قد فتح أمام الراغبين في الازدياد من الخيرات من نوع هذه الأعمال المقررة المفروضة، بل دعا إلى التسابق في الخيرات والفضيلة في الأعمال والمعاملات والتنافس فيها، ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} ١، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} ٢، فالأفضل مثلاً أن يواصل المؤمن الإنفاق على الفقراء والمؤسسات الخيرية بعد دفع


١ البقرة: ١٤٨.
٢ المطففين: ٢٦.

<<  <   >  >>