للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْعُسْر} ١، وكان الله قادراً أن يكلفنا فوق طاقتنا ولكنه لم يفعل٢ ذلك رحمة بخلقه؛ لأنه لم ينزل رسالاته إلا رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ٣.

وهنا تظهر حكمة الله البالغة في وضعه النظام بهذه الصورة، إذ إنه لو كلفنا بما نطيقه بشق الأنفس لما أمكن مسايرته إلى الأبد، فلدوام نظام معين في الحياة العملية وليبقى صالحاً زماناً ومكاناً لا ينبغي أن يستنفد تطبيقه طاقة الإنسان كلها؛ لأن بذل آخر الطاقة بصفة مستمرة لا بد من أن يؤدي إلى الإرهاق والحياة لا تطاق بإرهاق مستمر، ومن ثم فلا بد من أن يبوء مثل ذلك النظام بالفشل. وهنا تظهر ميزة رسالة الإسلام من هذه الناحية على الرسالات السابقة حيث إنه لم تأتِ بقوانين استثنائية قاهرة كعقاب إلهي، على الأمة كلها كما حدث في الرسالات السابقة التي تحدث عنها القرآن {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} ٤, وقال أيضاً: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ, الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} ٥، وقال أيضاً: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} ٦، ونقول: إن الإصر وتشديد الأحكام في


١ البقرة: ١٨٥.
٢ La Morale Du Koran Dr. M.A.Draz p.٣١.
٣ الأنبياء: ١٠٧.
٤ البقرة: ٢٨٦.
٥ الأعراف: ١٥٦-١٥٧.
٦ النساء: ١٦٠.

<<  <   >  >>