للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يقاتل المستسقي إذا امتنع عن سقايته. بل أكثر من هذا وذاك، فقد سمح للمسلم أن يكفر بلسانه إذا أكره عليه ولا يضر ذلك إذا بقى قلبه مطمئناً بالإيمان {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ١؛ لأن الإسلام لا يهتم بالظاهر اهتمامه بالباطن؛ ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ٢، كما أباح الإسلام الكذب في المعاملة في بعض الحالات الضرورية، إذا كان ذلك يؤدي إلى الخير العام أو ينقذ نفس الإنسان البريء من الإهدار، فقد روي عن الرسول أنه قال: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمي خيراً" ٣.

وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "الكذب كله على ابن آدم إلا في ثلاث خصال: رجل كَذَبَ على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين المسلمين ليصلح بينهما" ٤, ولا ينبغي أن يفهم من جواز الكذب بين الزوجين جواز الخدعة وكتمان الخيانة، وإلا كان الكذب وسيلة للشر وسبباً لزوال الثقة بين الطرفين، وبذلك يخرج عن الحدود المشروعة.

ولقد فهم بعض الناس ذلك الفهم وسأل الرسول متعجباً: "أكذب امرأتي يا رسول الله؟ فقال الرسول: "لا خير في الكذب" ٥, وقال آخر: يا رسول الله أعدها وأقول لها؟ فقال: "لا جناح عليك" ٦, وقال أيضاً: "تحروا الصدق وإن


١ النحل: ١٠٦.
٢ التاج جـ ١، كتاب النية والإخلاص ص ٥٥.
٣ صحيح مسلم جـ ١٦، كتاب البر والصلة والآداب، ص ١٥٧.
٤ جامع الأصول من أحاديث الرسول، ابن الأثير جـ ١١ ص ٢٣٩.
٥ موطأ الإمام مالك جـ ٢ ص ٢٣٣.
٦ المصدر السابق.

<<  <   >  >>