للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيتم فيه هلكة فإن فيه النجاة، واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة" ١.

هنا نجد أن الرسول قد حدد ما يجوز من الكذب بين الزوجين وهو ليس الإخبار بما يخالف الحقيقة فيما مضى وإنما هو التودد وبذل الوعود لتحقيقها في المستقبل عند تيسر الأمور عندما تطلب منه أموراً وهو غير قادر على تحقيقها وتنفيذها. أو يقول لها إنه يحبها كثيراً إذا اتهمته بأنه لا يحبها.

وإذا أباح هذا فليس معنى ذلك أنه يشجع عليه ولهذا قال: لا جناح عليك, هذا من وجهة ومن وجهة أخرى ينبغي ألا يقول شيئاً من هذا القبيل إلا عند الضرورة التي لا يجد المرء مفراً منها.

ولا يكون الإنسان بذلك كذاباً؛ لأن الكذاب هو الذي يتخذ الكذب وسيلة لتحقيق مآربه وهذا غير مباح إطلاقاً، ولهذا قيل للرسول: "أيكون المؤمن جباناً؟ فقال نعم، فقيل: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال نعم، فقيل: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال لا" ٢. كما لا يسمى الإنسان الذي يسرق طعاماً مرة ليأكل في حالة المخمصة سارقاً؛ فالسارق هو الذي يتخذ السرقة وسيلة للمعيشة.

والكذب في حالة الإصلاح بين الناس قاصر على الكلمات الطيبة التي يسندها إلى أحد الطرفين المتنازعين أو كليهما، إذ من شأنها أن تؤلف بين قلوبهم وتزيل الضغائن منها وكذلك في الحرب إذا كان الكذب يؤدي إلى إنقاذ الجيش أو إنقاذ نفسه ولا يمكن بغير ذلك، ومع ذلك فمثل هذا الكذب رخصة وليس عزيمة


١ الجامع الصغير جـ ١ ص ١٢٩.
٢ موطأ الإمام مالك جـ ٢ ص ٢٣٣.

<<  <   >  >>