للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي البعد الثاني ننظر في قياس المسئولية إلى مدى ما يتخذ الفعل من القداسة أو البشاعة في أعماق قلوب الناس، فالقتل مثلا أبشع من السرقة والتضحية بالنفس من أجل الدفاع عن الإسلام أقدس من التضحية بالمال من أجل الغرض نفسه، ثم إن العمل نفسه يتغير بحسب الصورة التي يتم فيها، فالقتل عن طريق تقطيع الأجزاء أبشع من القتل ضرباً بالرصاص، والحرق بالنار أبشع من الطعن بالسكين، ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" ١, ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم: "عن القتل بالنار والقتل بالمُثْلَة" ٢, أياً كان المقتول إنساناً أم حيواناً, وكذلك الاستشهاد بعد القيام بأعمال بطولية من ثبات وشجاعة في أشد الأزمات أكثر قداسة من مجرد الاستشهاد دون أي إبداء لأعمال بطولية وهكذا.

وهكذا قسم الإسلام الأعمال الأخلاقية بحسب المسئوليات, فقسم الواجبات إلى واجب عيني وكفائي ومندوب, وقسم المنهيات إلى كبائر وصغائر وإلى محرم ومكروه، فقال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ٣ نرى إذن: ليست المسئولية كلها في درجة واحدة لا من حيث النفع والضرر ولا من حيث ما يثير في النفوس من تقبل واشمئزاز ولا من حيث الموضوعات التي تتعلق بها أو التي تترتب عليها من خير أو شر على مر الزمان.


١ التاج جـ ٣، فصل القصاص ٨.
٢ المرجع السابق جـ ٤ كتاب الجهاد ص ٣٧٣-٣٧٤.
فقال الرسول: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلاناً بالنار وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإذا أخذتموهما فاقتلوهما" هداية الباري إلى ترتيب البخاري جـ ١ ص ٢٣٢.
٣ النساء: ٣١.

<<  <   >  >>