للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ثم نستطيع تحديد مجال المسئوليات الفردية بوجه عام بأن الحياة كلها مجال المسئوليات الأخلاقية، والإنسان مسئول فيها عن كل تصميم وسلوك صادر عن قصد واختيار يتصل بحسن أو قبح وبخير أو بشر سواء كان إيجابياً أو سلبياً. وكل فرد تتوافر فيه شروط المسئولية مسئول عن سلوكه في إطار مجاله الشخصي وفي إطار مجاله الوظيفي, ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته والأمير راعٍ ومسئول عن رعيته والرجل راعٍ على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته" ١، ولقد حدد الرسول عما يسأل عنه الإنسان فقال: "لا تزال قدما ابن آدم يوم القيامة عند ربه حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم" ٢, هذا هو مجال الفرد عن نفسه وسلوكه درجة ونوعا.

أما القسم الثاني من المسئولية وهو المسئولية عن سلوك الغير ففي هذه النقطة شيء من التعقيد والغموض وقد يبدو لبعض الناس أنه أمر غير عادل، وقد يبدو أيضاً أن هذا الأمر يتعارض مع بعض المبادئ الأخرى التي تقرر مسئولية الإنسان عن نفسه فقط, ولهذا يحتاج هذا الموضوع إلى شيء من التأمل والفحص حتى ينجلي الغموض ويزول التعارض.

وإذا نظرنا إلى الاتجاهات الأخلاقية والقانونية في هذه المسألة وجدنا اتجاهين بارزين أحدهما: اتجاه فردي يرى أن الفرد ليس مسئولاً إلا عن سلوكه


١ فتح الباري بشرح البخاري، كتاب النكاح، باب المرأة رعية في بيت زوجها دار الفكر جـ ٩ ص ٢٩٩.
٢ جامع الأصول من أحاديث الرسول، ابن الأثير جـ ١٢ ص ٤٣٦ دار الفكر ١٤٠٣ جـ ١٠ ص ٤٣٦.

<<  <   >  >>