للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ختام بيان الجزاء الأخروي نرى ضرورة التعرض لمسألة متصلة به وهي مدة الجزاء الأخروي, سواء كان نعيما أو عذاباً, لقد بين الله تعالى تلك المدة عندما ذكر جزاء السعداء والأشقياء فقال: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ, فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ, خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ, وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ١، وبيَّن الله تعالى أن الذين يخلدون في العذاب الكفار {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ٢، وأن الذين يخلدون في النعيم هم المؤمنون الصالحون فقال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا, جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} ٣، أما المؤمن المجرم الذي يرتكب الكبائر فإنه في مشيئة الله إن شاء غفر له إذا تاب قبل موته وإلا عذبه بقدر ما يستحق من العذاب ولا يخلد في النار كالكفار؛ لأن رحمة الله تشمله لاعترافه بربوبيته ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" ٤، وهذا الحديث يخصص ما ورد من الآيات التي تنص بخلود أهل الكبائر, مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ٥.


١ هود: ١٠٥-١٠٨.
٢ البقرة: ٢١٧.
٣ طه: ٧٥ - ٧٦.
٤ التاج جـ ١، كتاب الإيمان ص ٣١.
٥ النساء: ١٤.

<<  <   >  >>