للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{خَالِدِينَ فِيهَا} , {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار} , {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} , {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} , فما ذكرته من النصوص حتى الآن يكفي في نظري.

وإنما أريد إزالة الشبهات والغموض أو أقلل منها؛ لأنها كانت سبباً للحيرة وللتأويلات البعيدة, فمن أسباب الشبهة ورود الاستثناء مباشرة بعد بيان خلود أهل النار. قالوا: إن وجود الاستثناء يدل على عدم أبدية النار أو عدم أبدية عذاب الكفار مع أن صيغة الاستثناء لا تفيد معنى الاستثناء دائماً, وكذلك صيغة المشيئة لا تفيد الاحتمال دائماً مثل: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} ، وقد علم أنهم سيدخلونه, ولهذا قال القرطبي: إن الاستثناء في آية الفتح السابقة لا يوصف بمتصل ولا بمنقطع١، وفسر تلك الآية كالآتي "إنه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم ولكنه قد أعلمهم أنهم خالدون فيها". ويقول إن مثله كمثل قولك: "أردت أن أفعل ذلك إلا أن أشاء غيره وأنت مقيم على ذلك الفعل"٢.

ثم إننا إذا أخذنا وجود الاستثناء دليلا لانتهاء النار بعد أحقاب، فيجب أن نقول بانتهاء الجنة أيضاً؛ لأن الاستثناء نفسه ورد أيضاً بعد ذكر خلود أهل الجنة مباشرة كما جاء في آية الفتح السابقة.

ومن تلك الأسباب أيضاً منطق التفكير الخاطئ وهو أنهم يقولون: كيف يقع ذلك الخلود في النار لمجرد إنكار هؤلاء وجود الله وإذا كان تعذيبهم مدة تساوي مدة حياتهم في الدنيا فكيف يمكن أن يدخل في العدل الإلهي تعذيبهم


١ القرطبي جـ ٩ ص ١٠، طبعة دار الكاتب العربي.
٢ نفس المرجع ص ١٠٠.

<<  <   >  >>