والآن إذا دققنا النظر في هذه القواعد السلوكية وجدنا فيها موجهات عامة توجه الفرد في داخل الإطار الاجتماعي توجيها معينا لا تقيد حركات الأفراد وصورة أفعالهم لا من حيث الكيف ولكنها تقيده بتوجيه أخلاقي عام من حيث عدم الإضرار بالغير والعمل من أجل الغير بروح الإخلاص والمحبة والإسراع إلى الخيرات والتسابق فيها، وترك الشرور بجميع أشكالها وألوانها.
ثم هناك ميدان آخر تكون فيه حرية السلوك أكثر وضوحا من الميدان الاجتماعي وهو ميدان العمل للمكاسب الشخصية كالبحث العلمي والعمل الزراعي وما أشبه ذلك فهو مقيد هنا بقاعدتين فحسب: قاعدة عدم الكسب عن طريق ارتكاب المحرمات وقاعدة عدم الإضرار بالغير.
إذًا يمكننا أن نقسم هذا المعيار الخارجي من هذه الناحية إلى ثلاثة فروع:
الأول معيار التخلق مع الله, والثاني معيار التخلق مع الناس, والثالث معيار التخلق في ميدان العمل في الطبيعة عموما، ويدخل في هذا التخلق مع الكائنات الأخرى بصفة عامة. من هذا يتبين لنا أن هناك مجالات واسعة أطلق الإسلام فيها حرية السلوك والتصرف داخل إطار مفهوم كلمة "ينبغي" ولكن مفهوم "ينبغي" واسع في بعض المجالات وضيق في بعض المجالات الأخرى، فمن هنا نحتاج إلى معيار آخر يساعدنا على معرفة أخلاقية كل سلوك وكل حركة من سلوكنا. ومن جهة أخرى، فإن السلوك الخاضع للصور الأخلاقية الخارجية لا يعد سلوكا أخلاقيا بمعنى الكلمة ما لم يخضع للمعيار الأخلاقي الداخلي.