للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه استخدم القياس العقل، وقد استشهد العلماء على ذلك ببعض الآيات فمن ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} ١. فلقد ترك الله لنا أن نستنبط عن طريق القياس العقلي. إننا إذا فعلنا فعل اليهود فسوف يلحق بنا ما لحقهم بعينه؛ لأننا نحن أيضا بشر مثلهم, وسنة الله في الكون ماضية بأسبابها، ولقد بين الله في موضع آخر أن أحكامه جارية بالأسباب {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً, فَأَتْبَعَ سَبَبا} ٢، فالظواهر تابعة لأسبابها ولهذا وجهنا الله إلى مراعاة الأسباب بقوله {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} .

ومن ذلك أيضا قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ, قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} ٣.

فقد استدل الله على ما أنكره المنكر بالقياس وذلك بقياس الآخر على الأول وهو أن الذي أنشأه أول مرة من العدم لا يعجز عن إنشائه وإعادته مرة أخرى. والإعادة أسهل من الإيجاد.

ومن هذا النوع أيضا قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} ٤.

ولنا أن نسأل: هل المعيار العقلي هو الأساس لقياس السلوك الأخلاقي أو


١ الحشر: ٢.
٢ الكهف:٨٤-٨٥.
٣ يس: ٧٨-٧٩.
٤ سورة ق: ١٥.

<<  <   >  >>