للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرع، وهل من الممكن قياس جميع القيم الأخلاقية بالمعيار العقلي وحده دون الاستعانة بالشرع وبالمعايير الأخرى؟

نحن نعرف الخلاف الكبير في هذه النقطة بين المعتزلة وأهل السنة.

فالأولون اعتبروا المعيار العقلي هو الأساس، في حين أن الشرع جاء تأييدا للعقل. وأما الآخرون فقالوا: إن الشرع هو الأساس مع اعترافهم بأن العقل كذلك أحد المعايير الأخلاقية. وسنعود إلى هذه المسألة في الفصل القادم. حيث إننا نواصل الآن بيان المعايير الداخلية.

المعيار الثاني: المعيار الوجداني أو الضمير الأخلاقي.

أشرنا من قبل إلى هذا المعيار وقلنا: إنه قوة فطرية تجعل المرء يشعر بالرضا إذا سلك طريق الخير وبالندم إذا سلك طريق الشر واستدللنا بقول الرسول: "استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس" , وفي رواية "البر ما انشرح له صدرك" ١, وفي رواية: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" ٢. وقال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ٣.

هذا دليل نقلي، وهناك دليل واقعي وهو أننا نحس في قرارة نفوسنا بهذه الحقيقة قبل الفعل وبعده. نعم قد يختلف الناس في درجة الإحساس بناء على سيكولوجية الفروق الفردية الناتجة عن طبيعة التكوين الجسمي والنفسي وعن


١ مسند الإمام أحمد جـ٤ ص٢٢٧-٢٢٨.
٢ صحيح مسلم جـ٤، ص١٩٨٠. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
٣ الجامع الصغير، جـ٢ فصل الدال ص١٥.

<<  <   >  >>