للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العوامل الوراثية والبيئية والتربوية. وقد يزول هذا الإحساس في بعض النواحي الخلقية لسبب من الأسباب الخارجية السابقة كما قد يصبح البصير أعمى لعوامل خارجية، ولهذا قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} ١. فعمى القلب أو الوجدان كعمى البصر في عدم أداء وظيفته.

ولا ينبغي أن يفهم من فطرية الحاسة الخلقية أن جميع المبادئ الأخلاقية منقوشة في الضمير والوجدان، بل إنها مجرد قوة مستعدة للتمييز بين الخير والشر والطيب والخبيث، وإنما تنقش فيها الطيبات والخبائث عن طريق التربية والمجتمع, فما تقدمه أيديولوجية المجتمع إلى الإنسان أو الفرد أنه طيب أو خبيث، وتلقنه من صغره ويتربى عليه ينقش في ضميره أنه طيب أو خبيث, ومن هنا نجد الاختلاف في وجدانات الناس وضمائرهم في بعض النواحي الخلقية بحسب الأيديولوجية الاجتماعية التي يتبعونها أو التي نشأوا فيها.

وهناك فرق بين معيار العقل ومعيار الوجدان من حيث التمييز والتأثير والتأثر. أما من حيث التمييز فالعقل يميز بالتأمل والتفكير أما الوجدان فإنه يميز من غير تفكير وروية، ولهذا عبر الله عن هذا الإدراك بالرؤية {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ٢, وأما من حيث التأثير فتأثير العقل غير مباشر وأما الوجدان فتأثيره مباشر. أما من ناحية التأثر فالعقل لايتأثر وإنما يؤثر، وأما الوجدان فيؤثر ويتأثر، ومن هنا نجد الوخز والتأنيب في الوجدان إذا فعلنا عملا لا ينبغي فعله وانشراحا وسرورا إذا فعلنا عملا ينبغي فعله.

وقد توجه إلينا ضروب من النقد في هذا الصدد لهذه التفرقة، لكن لا بأس


١ الحج: ٤٦.
٢ النجم: ١١.

<<  <   >  >>