للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أنه بذلك يؤدي أمرًا إليها فيثاب كأنه قد فعل خيرا، ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" ١؛ لأن في ذلك إدخال السرور للطرف الآخر، ومن يكسب لينفق على أهله ففيه أجر، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك" ٢.

ولكن هل الإرادة الخيرة تجعل الأعمال كلها خيرة ولو كانت شرا، والإرادة السيئة تجعل الأعمال كلها قبيحة ولو كانت حسنة؟

الحقيقة أن النية ليست كل شيء في العمل الأخلاقي وإنما هي ركن فيه، فالعمل الأخلاقي له كيان مادي ومعنوي، ولهذا قال الرسول- صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ٣.

والأول يتمثل في الفعل, والثاني في النية والإرادة الحسنة، وهذه الإرادة الخيرة لا تجعل الفعل السيئ حسنا أو خيرا أو الفعل غير الأخلاقي أخلاقيا كما أن الضوء المسلط على الوجه القبيح لا يجعله جميلا. أما كون النية الحسنة تجعل الأعمال العادية المباحة حسنة وعبادة؛ فذلك لأن هذه الأعمال ليست قبيحة ولا حسنة في ذاتها فهي لذلك لا تعتبر صورة حسنة ولا قبيحة ولكن تسلط النية الحسنة عليها يحسن من منظرها كما أن الضوء يحسن شيئا ما من منظر شيء لا هو حسن ولا هو قبيح. ولكن لا يكون الحسن الناتج هنا كالحسن الناتج عن


١ رياض الصالحين، باب بيان كثرة طرق الخير ص٧١.
٢ فتح الباري جـ٦ ص٢٩٦ كتاب النفقة.
٣ صحيح مسلم جـ٤ ص ١٩٨٧، كتاب البر والأخلاق.

<<  <   >  >>