الأخلاقية والاستدلال على أن كل وحدة مستقلة بنفسها، بل ينبغي أن يفهم أنها في الحقيقة وحدة متكاملة ولها مراتب ومستويات مختلفة القيمة وفي التطبيق العملي. فالإحسان مثلا بصفة عامة مبدأ أخلاقي ولكن الإحسان له درجات من حيث التطبيق، فالإحسان إلى واحد ليس كالإحسان إلى مجموعة، فتزيد درجاته بحسب عدد المحسن إليه ومن حيث نوع الإحسان. ثم من حيث النية والغاية: فاتخاذ الغاية من الإحسان مجرد مساعدة الإنسان فحسب غير الإحسان الذي يتخذ منه نيل الجزاء من الله وهو غير ذلك إذا قصد وجه الله فحسب مثلا فاتخاذ الإحسان وسيلة لهذه الغايات ثم اتخاذ بعضها وسيلة لأخرى لا يدل على أن الإحسان من حيث كونه مبدأ أخلاقيا متغير بل هو ثابت في الواقع بين المجتمعات البشرية من قديم الزمان إلى يومنا هذا بالرغم من اعتباره وسيلة لهذه الأغراض كلها، نعم إن القيمة الفعلية تزيد أو تنقص بحسب الغايات التي تتخذ من ورائها، ولكن مفهوم تلك القيمة مبدأ أخلاقيا مفهوم مقدس في أذهان الناس وإن تفاوتت من إنسان إلى آخر درجة هذا التقديس والتقدير لسبب من الأسباب الاجتماعية.
إذن لا يدل كون الأخلاق وسيلة من جهة وغاية من جهة أخرى أنها متغيرة ولا تحمل تقديسا وتقديرا في نفوس الناس. يقول جان جاك روسو:"إن مبادئ الأخلاق واحدة في كل مكان ومبادئ الخير والشر هي بعينها حيثما ذهبت"١.
ثم نتساءل فنقول هل يصح لنا أن نتخذ أي وسيلة للوصول إلى أي غاية
١ إميل ص ٢١٣. ويقول بارتلمي: "إن علم الأخلاق بمعتقداته الأساسية لم تتغير", علم الأخلاق لأرسطو جـ١، ص ١٦٥.