للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو حماية ما جاءت به الأخلاق لحمايته وهو حفظ الحياة وحفظ العقيدة عن طريق إزالة الفساد. إذن نحن نلتجئ أحيانا اضطرارا إلى حفظ الأخلاق بلا أخلاق عندما لا نملك غير ذلك. فنحن هنا مضطرون والمضطر لا يسأل عما اضطر إليه، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} ١.

وأما الأساس في الأخلاق الإسلامية فهو دفع الشر بالخير والإساءة بالحسنى ولهذا قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ٢. وإذا لم نستطع أن ندفعه بالأخلاق ندفعه باللا أخلاق وغايتنا هو الأخلاق ولكن هل بالغاية الأخلاقية يصبح الفعل اللا أخلاقي أخلاقيا؟ وهل من الممكن أن يصبح القبيح أو الشر في ذاته حسنا وخيرا بعامل خارجي؟ لأن الخير لا يأتي إلا بالخير كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما سألوه: أو يأتي الخير بالشر؟: "الخير لا يأتي إلا بالخير" ٣، أما الشر فقد يأتي بأشر منه.

الواقع أن الحقائق لا تتغير من حيث الجوهر، ولكن يتغير تقييمها من الناحية المادية والمعنوية بحسب الظروف، فالذهب مثلا لا يمكن أن يكون حديدا ولا العكس والحق لا يكون باطلا والباطل لا يكون حقا. ولكن قيمة الذهب تتغير من الناحية المادية والنفسية، وقد يفقد قيمته في بعض الظروف فلا ينظر إليه إلا على أنه معدن لا أكثر ولا أقل, ولكن الذهب فيما عدا هذه الظروف يحتفظ بقيمته بشكل من الأشكال. وكذلك الأمور الأخلاقية فإراقة دم إنسان قبيح؛ لأنه إعدام موجود ذي قيمة ولكن إذا أصبح وجود الشيء فاسدا في كيان جماعة فإزالة هذا


١ البقرة: ١٧٣.
٢ فصلت: ٣٤.
٣ فتح الباري بشرح البخاري جـ٦ ص٣٨٩، كتاب الجهاد، باب فضل النفقة في سبيل الله، انظر كذلك المرجع نفسه جـ ١١ ص٢٤٣، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا.

<<  <   >  >>