الوجود يعتبر خيرا من هذه الزاوية ومن هنا شرع إعدام الجاني، ثم إن إعدام الجاني في نظر المجني عليه غيره في نظر إنسان لم يصل إليه جرمه. وقد يضطر الطبيب إلى قطع أحد أعضاء الجسم إذا كان مريضا ويؤدي وجوده إلى فساد الجسم كله.
إذن نحن نضحي في هذه الحالات الاستثنائية بقليل من القيمة في سبيل الحفاظ على القيم بناء على قاعدة ارتكاب أهون الشرين إذا لم نجد مفرا من ارتكاب أحدهما. كما أن غايتنا فيها دفع الشر لا جلب المنفعة؛ لأن دفع الشر أولى من جلب المنفعة حسب القاعدة الأصولية.
من هذا كله نقرر أن الأخلاق وسيلة من جهة وغاية من جهة أخرى وقيمة الغاية تؤثر في قيمة العمل الأخلاقي، وكلما كانت الغاية أسمى وأشرف كان السلوك الأخلاقي أكثر قيمة، ولكن الغائية في السلوك الأخلاقي لا تفيد عدم موضوعية المبادئ الأخلاقية، ولا تفيد كذلك عدم وجود قدسية للأخلاق.
ثم إن الأخلاق لها مادة وروح وهناك تفاوت في قيمة الصور الأخلاقية وفي قيمة روح هذه الصور من حيث التقييم الموضوعي والذاتي، وإذا كان الأمر كذلك فإن القيمة المعنوية للأخلاق تأتي من نية فاعلها وغايتها.
ولذا كان للنية والغاية من حيث كونها معيارا أخلاقيا دور كبير في السلوك الأخلاقي من حيث إضفاء القيمة وبيان درجاتها.
غير أن معيارية الغاية تختلف عن معيارية العقل والوجدان إذ إن الأَولى من حيث إضفاء القيمة، والثانية مقياسا لتمييز السلوك الأخلاقي من اللا أخلاقي يعرف بها الذات الفاعلة عندما يقوم نفسه بنفسه في ضوء نياته.