للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ١, وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة" ٢, ولا شك أن العلم يكتسب بالجهد الفردي, وكذلك الفضيلة، والقيمة التي ترجع إلي الإرادة وهي الإرادة الخيرة أو مدى إخلاص الإنسان في عمله الأخلاقي. وكلما زاد إخلاص الفرد وقيمته الذاتية زادت قيمة عمله الأخلاقي كما يفهم ذلك من الحديث السابق وكما يحس به كل منا في حياته العملية. ولنضرب لذلك مثلا بالرجل الذي رأى إنسانا قد أقعده ثقل حمله من مواصلة السير إلى حيث يريد وبقي جالسا على قارعة الطريق. فلو أنه حمله عنه أو حمله إلى آخر، فمتى كان هذا المساعد عالما فاضلا من كبار القوم فإن تقديرنا لعمله سيكون أكثر من تقديرنا لهذا العمل الذي كان من إنسان عادي مع أن العمل في كلتا الحالتين واحد.

إذن للفرد قيمة وتزيد قيمة عمله بحسب قيمة شخصيته وإرادته للخير وهذا قد بيناه، كما بينا أن هناك حاسة أخلاقية تدفع المرء إلى السلوك الأخلاقي وتميز بينه وبين غيره. إذن الأخلاق ليست سلوكا مجردا يصنع يتخذه المرء وسيلة لقضاء مآربة النفعية، كما يدعي ذلك أنصار المذهب الأناني.

وأما فيما يخص قيمة المجتمع فنرى أنها حصيلة لجمع القيم الفردية التي تستقل كل قيمة فردية منها بذاتها ونسبة تلك القيمة الكلية شبيهة بنسبة حصيلة الخزينة إلى كل درهم تحتوي عليه. ثم إن الإسلام يخلع على تلك القيمة الاجتماعية الكلية طابعه الخاص. فقد عرفنا أن الإسلام اهتم بالحياة الاجتماعية عندما دعا إلى الحياة مع الناس ونهى عن العزلة بدليل أنه فضل العبادة مع


١ المجادلة:١١.
٢ الجامع الصغير جـ ٢ ص ٧٥.

<<  <   >  >>