إذن فلكل من الفرد والمجتمع شخصية وكرامة مستقلة ولكن هناك ارتباط بينهما من ناحية أخرى وهي أن السلوك الأخلاقي لا يمكن أن يتصور إلا بوجود طرفين: أحدهما مبدؤه والآخر منتهاه، وأحدهما معطٍ والآخر آخذ، أحدهما قاصد فاعل والآخر مقصود مفعول له، فمثلا الإنسان الذي يريد فعل الخير لا يمكن أن يريد الفعل نفسه وإنما يريد إيصال نفع بسببه إلى الآخر، إذن الغاية من الفعل ليس الفعل ذاته، وإنما ذات شخص آخر سواء كان الفاعل فردا أو جماعة، إذن لا يمكن تصور أحدهما دون الآخر من الناحية السلوكية حتى إن عمل الإنسان لنفسه يمكن أن ننظر إليه من زاوية اجتماعية؛ لأنه عضو في المجتمع وكل عمل يعود عليه نفع أو ضرر يتردد صداه في المجتمع.
إذن فمن العسير أن نضع حدودا حاسمة بين ما نسميه الأخلاق الفردية والأخلاق الاجتماعية، ولا يمكن تصور ذلك إلا من ناحية واحدة وهي ناحية الغاية الأخلاقية، فإذا اتخذت الذات الفاعلة الغاية من سلوكها تحقيق أمر لنفسها دون مراعاة الغير عند اتخاذ الغاية وعند اتخاذ الوسائل لتحقيق تلك الغاية. وإذا خرج هذا السلوك من الأخلاق من حيث الظاهر لكن من حيث الواقع تبقى هناك صلة، ذلك أنه ما من عمل يقوم به الإنسان لنفسه إلا وكان لغيره منه نصيب إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ولنضرب لذلك مثلا بالرجل السكير فالسكير لا يستطيع الاحتجاج بأنه حر في أن يحقق لنفسه ضربا من المنفعة، إذ إن عمله يعود على نفسه وعلى ذريته وعلى المجتمع بالضرر، وكل سلوك ضار بصاحبه ضار بغيره ولو بطريق غير مباشر، هذه حقيقة يدركها من يدرسها دراسة علمية واعية.
من هذا كله نستطيع أن نحكم بأن كل سلوك وكل عمل له صفة أخلاقية