للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يراعِ الإسلام حاجة الإنسان التي بها قوام حياته ودوامها فحسب بل لفت نظره إلى العناصر الجميلة في الكون التي خلقها الله للزينة والمتعة ليشبع بها العاطفة الجمالية، ولهذا كرر دعوته مرارًا إلى النظر إلى زينة السماء {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} ١. وإلى زينة الحدائق وأنواع الأشجار والنبات {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} ٢، وجمال الحيوانات والدواب {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ٣، وهكذا نجد أن الإسلام يقرر للإنسان حياة مادية حسنة يحقق مطالبه، وهذا مما لا شك فيه يمثل جزءا من سعادة الإنسان في هذه الحياة، وصلة تحقيق الحاجات بالأخلاق أن حرمان الإنسان نفسه من حقه ظلم كظلم غيره، والظلم منافٍ للأخلاق.

غير أنه توجد هنا ملاحظة لا ينبغي أن نغفلها وهي: أننا نجد هناك نصوصًا إسلامية أخرى تذم الحياة الدنيا وطلاب هذه الحياة، ولكن لا ينبغي أن نظن وجود تناقض بين تلك النصوص، كما قد يبدو للنظرة السطحية، وإنما هذا الانقسام الظاهري من نظرة الإسلام إلى الحياة المادية من زاويتين مختلفتين؛ لأنه يريد بذلك أن يكشف لنا عن منهجه في الحياة وفلسفته فيها، وربما كان انقسام النصوص بهذا الشكل حول الحياة المادية، وإذا شرحنا الزاويتين السابقتين بدا لنا موقف الإسلام من هذه الحياة بوضوح.

أما الزاوية التي منها ذم الحياة فهي زاوية الماديين: وهي أن هذه


١ الحجر: ١٦.
سورة ق: ٧-٨.
النحل: ٥، ٦، ٨.

<<  <   >  >>