للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحياة غاية لا وسيلة، وأنها مستقلة لا صلة لها بحياة بعدها، بل هي الحياة ولا حياة بعدها، وعندما نظر الإسلام إليها من هذه الزاوية وبهذا الاعتبار ذمها وذم المنهمكين فيها؛ لأنها حياة عارضة زائلة، وفيها أحزان وآلام ومشقة، فهي بهذه النظرة لا تساوي شيئا ولا جناح بعوضة، بالنسبة إلى حياة مقدرة للإنسان بعد موته، ولهذا قال الرسول: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء"، حقا إنها لا تساوي جناح بعوضة حين نقيسها بالحياة الأخروية، ومن هنا يستحق الذم هؤلاء الذين يتخذونها مجمع همهم ومبلغ سعيهم فلا يرجون الآخرة من بعدها، قال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} ٢، وكل الآيات والأحاديث التي تذم الحياة المادية وأهلها، إنما تذمها بهذا الاعتبار ومن هذه الزاوية.

يريد الإسلام بذلك أن يبين للناس أنه ينبغي ألا تتخذ هذه الحياة غاية في ذاتها؛ لأنه أمر لا يليق بهم، فقد خلقوا لهدف أعلى أو غاية كبرى وهي: تلك الحياة الأبدية السعيدة وهذه الحياة هي الجديرة بأن يعمل المرء من أجلها، وحقيق أن يتخذها غاية.

وأما الزاوية الثانية: فهي أن هذه الحياة ما هي إلا وسيلة لحياة أخرى أو مقدمة لها، يجب استغلالها لتلك الحياة واشتراؤها بها، فمن هذه الزاوية وبهذا الاعتبار نرى الإسلام يمدح الحياة ويهتم بها، وكان اهتمامه بها على النحو التالي


١ انظر تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي جـ٦ ص ٦١١، الإمام الحافظ أبو العلا محمد المباركفوري.
٢ سورة إبراهيم: ٣.

<<  <   >  >>