للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يأكل في معىً واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء" ١، وليس المراد من كثرة الأمعاء هنا معناها الحقيقي بل القصد منها الكناية عن الكثرة في الأكل، ويريد من الكافرين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فهمُّهم الدنيا ونعيمها، يأكلون كما تأكل الأنعام {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ} ٢.

وكما منع الإسلام الإفراط في تحقيق الحاجات الحسية، منع أيضا الإفراط في التعبد والتنطع فيه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون" ٣، وروي عن أنس أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- "نهى عن التبتل" ٤، وأوضح دليل صريح على هذا نهيه -صلى الله عليه وسلم- لجماعة من أصحابه اعتزموا مواصلة العبادة وترك كل شيء ما عداه، فقال: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" ٥. وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل، قلت: نعم، قال: فلا تفعل صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا" ٦.

أما الاعتدال في ميدان العمل فإنه ضروري أيضا؛ ذلك أن الإرهاق في العمل يؤدي إلى الإضرار بالصحة، فالإرهاق في العمل العقلي مثلا يؤدي إلى الجنون، كما أن الإرهاق في الأعمال الجسمية الأخرى يؤدي إلى الاختلال في


١ فتح الباري بشرح البخاري جـ١١، كتاب الأطعمة ص ٤٥٦.
٢ سورة محمد: ١٢.
٣ صحيح مسلم جـ٤ ص ٢٠٥ كتاب العلم.
٤ صحيح المستدرك جـ٢ ص ١٥٩، كتاب النكاح، فتح الباري جـ١١ ص ١١.
٥ التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول جـ٢، كتاب النكاح، ص ٢٨٧.
٦ فتح الباري بشرح البخاري، كتاب الصوم، جـ٥ ص ١٢١.

<<  <   >  >>