للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَسَعَى سَعْيَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ضَعْفَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَارِنًا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَمِعْت النَّبِيَّ عليه السلام، وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ"، وَهَذَا الْآتِي أَتَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ، وَهُوَ ذُو الْحُلَيْفَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، قُلْت: يَعْنِي بِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ: الْقِرَانُ رُخْصَةٌ، وَقَوْلُ الْجَاهِلِيَّةِ تَقَدَّمَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ ١ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَا الْأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، فَقَدْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرْ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ"، انْتَهَى. وَرَجَّحَ الْحَازِمِيُّ فِي "كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" ٢ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُفْرِدًا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ، قَالَ: فَإِنَّهُ أَحْسَنُ سِيَاقًا، وَأَبْلَغُ اسْتِقْصَاءً، وَغَيْرُهُ لَمْ يَضْبِطْ ضَبْطَهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ أَحَدَ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ مَكَانًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ أَنَسًا رَوَى أَنَّهُ عليه السلام قَرَنَ، وَابْنُ عُمَرَ رَوَى أَنَّهُ أَفْرَدَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: كُنْت تَحْتَ جِرَانِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلُعَابُهَا بَيْنَ كَتِفَيْ، فَحَدِيثُهُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ ٣ - فِي بَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ": وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِيمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ عليه السلام، فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: إنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَرَنَ مَعَ حَجِّهِ عُمْرَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلَ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً، وَفِي كُلٍّ رِوَايَةٌ، انْتَهَى.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ٤، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ الْحِلَّ كُلَّهُ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ،


١ عند مسلم: ص ٤٠٦، وعند البخاري في "باب التمتع والاقران" ص ٢١٢.
٢ الوجه الأول، هو التاسع من وجوه الترجيح: ص ١١، والثاني هو العاشر من وجوه الترجيح: ص ١٢.
٣ عند ابن سعد في "حجة الوداع" ص ١٢٤ في القسم الأول، من الجزء الثاني.
٤ عند مسلم: ص ٤٠٧، وعند أبي داود في "باب إفراد الحج" ٢٤٩ - ج ١، وعند الترمذي في "باب، قبل باب ما جاء في ذكر فضل العمرة" ص ١٢٥ - ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>