والحاصل أنه قام ركن المعارضة بين حديث ابن عباس، وحديثي يزيد بن الأصم، وأبان بن عثمان بن عفان، وحديث ابن عباس أقوى منهما سنداً، فإن رجحنا باعتباره كان الترجيح معنا، ويعضده ما قال الطحاوي: روى أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه وهو محرم، قال: ونقلة هذا الحديث كلهم ثقات يحتج بروايتهم، انتهى: ومحصل كلام الطحاوي في "شرح الآثار" ٤٤٣ - ج ١، والذين رووا: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها وهو محرم، أهل علم، وأثبت أصحاب ابن عباس: سعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وهؤلاء كلهم أئمة فقهاء، يحتج برواياتهم وآرائهم، والذين نقلوا عنهم فكذلك أيضاً، منهم: عمرو بن دينار، وأيوب السختياني، وعبد الله بن أبي نجيح، فهؤلاء أيضاً أئمة يقتدى برواياتهم، ثم قد روي عن عائشة أيضاً ما قد وافق ما روي عن ابن عباس، وروى ذلك عنها من لا يطعن أحد فيه: أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق، فكل هؤلاء أئمة يحتج برواياتهم، فما رووا من ذلك أولى مما روى من ليس كمثلهم في الضبط، والثبت، والفقه، والأمانة، وأما حديث عثمان فإنما رواه نبيه بن وهب، وليس كعمرو ابن دينار، ولا كجابر بن زيد، ولا كمن روى ما يوافق ذلك عن مسروق عن عائشة، ولا لنبيه موضع في العلم، كموضع أحد ممن ذكرنا، فلا يجوز - إن كان كذلك - أن يعارض به جميع من ذكرنا ممن روى بخلاف الذي روى، انتهى كلامه. ثم أخرج الطحاوي في آخر الباب آثاراً عن ابن مسعود، وابن عباس، وأنس أنهم كانوا لا يرون بأساً أن يتزوج المحرمان، انتهى. وقال شيخنا حجة الإسلام إمام العصر "محمد أنور الكشميري" رحمه الله تعالى - في إملائه على جامع الترمذي - الموسوم "بعرف الشذى" أقول: يلزم عليه [أي قول الترمذي: إنه عليه السلام تزوجها في طريق مكة، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال بسرف] أنه عليه السلام تجاوز عن الميقات بلا إحرام، وهو يريد الحج، لأن في الروايات أنه عليه السلام نكح بسرف، وهو بين مكة، وذي الحليفة، وكانت المواقيت مؤقتة، كيف! وفي البخاري في "غزوة الحديبية" ص ٦٠٠ - ج ٢ في حديث المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم: فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي، وأشعر وأحرم منها بعمرة، الحديث، انتهى. ١ عند الطحاوي: ص ٤٤٢ - ج ١.