للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ، وَكَيْفَ يُقَالُ عَنْ الثِّقَةِ مَجْهُولٌ؟ وَاشْتِرَاطُ الْمُحَدِّثِينَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ اثْنَانِ لَا وَجْهَ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ ": وَكَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ مَيْلٍ، وَخِشْفٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَجْهُولٌ، وَزَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُوَ الْجُشَمِيُّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وأخرجاه لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، انْتَهَى. وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ يَقْضِي بِعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ، مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ، وَمَالِكٌ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ مَعَنَا،١ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ٢ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: دِيَةُ الْخَطَإِ خَمْسَةُ أَخْمَاسٍ، عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٌ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، ثُمَّ ضَعَّفَ حَدِيثَ خِشْفٍ بِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ المنذر٣: إنما صار الشاففعي إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهَا، وَالسُّنَّةُ وَرَدَتْ بِمِائَةٍ من الإبل مطلقاً، فَوَجَدْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ أَقَلَّ مَا قِيلَ، لِأَنَّ بَنِي الْمَخَاضِ أَقَلُّ مِنْ بَنِي اللَّبُونِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ٤ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي الَّذِي وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ٥ وَبَنُو الْمَخَاضِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الصَّدَقَاتِ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ عليه السلام تَبَرَّعَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ حُكْمًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرُهُمْ، إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عليه السلام اشْتَرَاهَا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا، ثُمَّ دفعوها إلَى أَهْلِ الْقَتِيلِ، انْتَهَى.

وَالْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ٦ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال في الخطأ أخماساً: عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً،


١ وفي الاستذكار أنه قول أبي حنيفة، وأصحابه، وابن حنبل، وفي أحكام القرآن للرازي، لم يرو عن أحد من الصحابة ممن قال بالأخماس خلافه، وقول الشافعي لم يرو عن أحد من الصحابة، انتهى. كذا في الجوهر النقي ص ٧٥ ج ٨.
٢ عند الدارقطني في السنن ص ٣٥٩.
٣ قلت: قال البيهقي في السنن ص ٧٥ ج ٨: الروايات فيه عن ابن مسعود متعارضة، ومذهب عبد الله مشهور في بني المخاض، وقد اختار أبو بكر بن المنذر في هذا مذهبه، واحتج بأن الشافعي رحمه الله إنما صار إلى قول أهل المدينة في دية الخطأ، لأن الناس اختلفوا فيها، والسنة فيها مطلقة بمائة من الإبل غير مفسرة، واسم الابل يتناول الصغار والكبار، فألزم القاتل أقل ما قالوه: إنه يلزمه، فكان عنده قول أهل المدينة، أقل ماقيل فيها، قال ابن المنذر فكأنه أي الشافعي لم يبلغه قول عبد الله بن مسعود، فوجدناه قول عبد الله أقل ماقيل فيها، لأن بني المخاض أقل من بني اللبون، واسم الابل يتناوله، دون ما زاد عليه، وهو قول الصحابي، فهو أولى من غيره، وبالله التوفيق، انتهى.
٤ راجع السنن للبيهقي: ٧٦ ج ٨.
٥ عند البخاري في القسامة ص ١٠١٨ ج ٢، وعند مسلم في الديات والقصاص ص ٥٦ ج ٢.
٦ عند البيهقي في السنن أيضاً: ص ٧٤ ج ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>