للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ، إذْ جاءه جبرئيل عليه السلام، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُنْ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْك سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بَعَثَك رَحْمَةً" {لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الْآيَةَ، ثُمَّ عَلَّمَهُ الْقُنُوتَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، وَنَسْتَغْفِرُك، وَنُؤْمِنُ بِك، وَنَخْضَعُ لَك، وَنَخْلَعُ، وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي، وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نسعى، ونحفِد، ونرجوا رَحْمَتَك، وَنَخَافُ عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ، بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ، انْتَهَى. ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ١: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ، ثُمَّ تَرَكَ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، انْتَهَى.

قَالَ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": أَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ مُطْلَقٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَنَتَ. وَالثَّانِي: مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فيحمله عَلَى فِعْلِهِ شَهْرًا بِأَدِلَّتِنَا. الثَّالِثُ: مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَالْمَغْرِبِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ٢. وَأَبُو دَاوُد. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ. وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ، إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ٣. وَالرَّابِعُ: مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي حُجَّتِهِمْ، نَحْوَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ٤"، والدارقطني فِي "سُنَنِهِ"، قَالَ: وَقَدْ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ فِي "كِتَابِهِ" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْقُنُوتِ أَحَادِيثَ، أَظْهَرَ فِيهَا تَعَصُّبَهُ: فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ عَنْ دِينَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، خَادِمِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله

عليه وسلم يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى مَاتَ، انْتَهَى. قَالَ: وَسُكُوتُهُ عَنْ الْقَدْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَاحْتِجَاجُهُ بِهِ، وَقَاحَةٌ عَظِيمَةٌ، وَعَصَبِيَّةٌ بَارِدَةٌ، وَقِلَّةُ دِينٍ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: دِينَارٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ آثَارًا مَوْضُوعَةً، لَا يَحِلُّ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ، فَوَاعَجَبَا لِلْخَطِيبِ، أَمَا سَمِعَ فِي الصَّحِيحِ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ"؟، وَهَلْ مِثْلُهُ إلَّا


١ هو في "الدارقطني" ص ١٧٨.
٢ في "باب استحباب القنوت في جميع الصلوات" ص ٢٣٧، وأبو داود في "باب القنوت في الصلوات" ص ٢١١، والنسائي في "باب القنوت في صلاة المغرب" ص ١٩٤ ج ١، والترمذي في "باب ما جاء في القنوت في الفجر" ص ٥٣، "ومسند أحمد" ص ٢٨٥ ج ٤، وص ٢٨٠ ج ٤، والطحاوي: ص ١٤٢.
٣قلت: في "البخاري في الوتر" ص ١٣٦ من حديث أنس، قال: كان القنوت في المغرب والفجر، اهـ.
٤ ص ١٦٢ ج ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>