للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تشعبت الأهواء بالناس فشردتهم فِي بيداء الضلال حتى عبدوا الأصنام واختلفوا فِي العقائد والأفعال اختلافا خالفوا فيه الرسل والعقول اتباعا لأهوائهم وميلا إِلَى عاداتهم وتقليدا لكبرائهم فصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين.

فصل: وأعلم أن الأنبياء جاءوا بالبيان الكافي وقابلوا الأمراض بالدواء الشافي وتوافقوا عَلَى منهاج لم يختلف فأقبل الشَّيْطَان يخلط بالبيان شبها وبالدواء سما وبالسبيل الواضح جردا١ مضلا وما زال يلعب بالعقول إِلَى أن فرق الجاهلية فِي مذاهب سخيفة وبدع قبيحة فأصبحوا يعبدون الأصنام فِي البيت الحرام ويحرمون السائبة٢ والبحيرة والوصيلة والحام ويرون وأد البنات ويمنعونهن الميراث إِلَى غير ذلك من الضلال الذي سوله لهم إبليس٣ فابتعث الله سبحانه وتعالى محمدا فرفع المقابح وشرع

المصالح فسار أصحابه معه وبعده فِي ضوء نوره سالمين من العدو وغروره فلما انسلخ نهار وجودهم أقبلت أغباش الظلمات فعادت الأهواء تنشىء بدعا وتضيق سبيلا مَا زال متسعا ففرق الأكثرون دينهم


١ يقال مكان جرد أي لا نبات فيه ويقال أيضا جرز بالمعجمة.
٢ هي الناقة المنذورة تسيب فترعى حيث شاءت فلا يمسها أحد بسوء والبحيرة بنتها تبحر إذنها أي تشق وتخلي مع أمها والوصيلة هي الشاة تلد سبعة أبطن عناقين عناقين أي اثنين انثنين فإن ولدت في الثامنة جديا ذبحوه لآلهتهم وإن ولدت جديا وعناقا قالوا وصلت أخاها فلا يذبحونها من أجلها ولا تشرب لبنها النساء وكان للرجال وجرت مجرى السائبة والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضاه تركوه للطواغيت وأعفوه من الحمل.
٣ اعلم أن الشرع جاء هادما لهذه العادات القبيحة محذرا من كل سوء ناهيا عن كل شرك محببا في كل جميل فاعتنقه الكثير ودخله الناس أزواجا وأفذاذا وانتشر في جميع الأرض في أقرب وقت النتشارا لم يعهد له نظير من قبل ومن بعد. واستمر على ذلك والناس تعتنقه طوعا لا كرها إلى أن دخل فيه أفراد من اليهود والمجوس وانتسبوا إليه ظاهرا وهم في الواقع يعملون على هدمه وتقويض دعائمه فأخذوا يوقدون نار الفتنة بين أهله ويدخلون فيه أشياء من التي كان ينهى عنها يحسنونها لعامة الناس حتى شوهوا معالمه واتخذها من جاء بعدهم ممن لا يميزون بين الصحيح والسقيم والحق والباطل دينا ويتقربون بها إلى ربهم والله تعالى أعز شأنا من أن يتعبد الناس بمثل هذه الضلالات ومن ذلك نذر الغنم والبقر وغيرها للأولياء يتركونها ترعى حيث شاءت لا يمسها أحد بسوء ظنا منه بل اعتقادا أنها محسوبة لذلك الولي مكلوءة بعينه أنى ذهبت فلو منعها من زرعه لانتقم منه ذلك الولي بما شاء وهذا بعينه ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى قال الله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} . اللهم وفق علماؤنا وأمراؤنا إلى رد إلى رد هذه العقائد الفاسدة التي شوهت وجه الدين وجعلت عليه غشاء من ظلماتها حجبت نوره الساطع الذي هو هدى ورحمة وبشرى لقوم يؤمنون.

<<  <   >  >>