إنما تمكن إبليس من التلبيس عَلَى الفلاسفة من جهة أنهم انفردوا بآرائهم وعقولهم وتكلموا بمقتضى ظنونهم من غير التفات إِلَى الأنبياء فمنهم من قَالَ بقول الدهرية أن لا صانع للعالم حكاه النوبختي وغيره عنهم وحكى النهاوندي أن أرسطاطا ليس وأصحابه زعموا أن الأَرْض كوكب فِي جوف هَذَا الفلك وأن فِي كل كوكب عوالم كَمَا فِي هَذَا الأَرْض وأنهارا وأشجارا وأنكروا الصانع وأكثرهم أثبت علة قديمة للعالم ثم قَالَ بقدم العالم وأنه لم يزل موجودا مَعَ اللَّه تعالى ومعلولا لَهُ ومساويا غير متأخر عنه بالزمان مساواة المعلول للعلة والنور للشمس بالذات والرتبة لا بالزمان فيقال لهم لم أنكرتم أن يكون العالم حادثا بإرادة قديمة اقتضت وجوده فِي الوقت الذي وجد فيه فَإِن قالوا فهذا يوجب أن يكون بين وجود الباري وبين المخلوقات زمان قلنا الزمان مخلوق وليس قبل الزمان زمان ثم يقال لهم كان الحق سبحانه قادرا عَلَى أن يجعل سمك الفلك الأعلى أكثر مما هو بذراع أَوْ أقل مما هو بذراع فَإِن قالوا لا يمكن فهو تعجيز ولأن مَا لا يمكن أن يكون أكبر مِنْهُ ولا أصغر فوجوده عَلَى مَا هو عَلَيْهِ واجب لا ممكن والواجب يستغني عَنْ علة وَقَدْ ستروا مذهبهم بأن قالوا اللَّه عز وجل صانع العالم وهذا تجوز عندهم لا حقيقة لأن الفاعل مريد لما يفعله وعندهم أن العالم ظهر ضروريا لا أن اللَّه فعله ومن