قال المصنف: وقد لبس على أقوام فحسن لهم الصوم الدائم وذلك جائز إذا أفطر الإنسان الأيام المحرم صومها إلا أن الآفة فيه من وجهين أحدهما أنه ربما عاد بضعف القوى فأعجز الإنسان عن الكسب لعائلته ومنعه من إعفاف زوجته وفي الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: "إن لزوجك عليك حقا" فكم من فرض يضيع بهذا النفل والثاني أنه يفوت الفضيلة فإنه قد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: "أفضل الصلاة صلاة داود ﵊" كان يصوم يوما وبالإسناد عن عبد الله بن عمرو قال لقيني رسول الله ﷺ فقال: "ألم أحدث عنك أنك تقوم الليل وأنت الذي تقول لأقومن الليل ولأصومن النهار" قال أحسبه قال نعم يا رسول الله قد قلت ذلك فقال: "فقم ونم وصم وأفطر وصم من كل شهر ثلاثة أيام ولك مثل صيام الدهر" قال قلت يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك قال: "فصم يوما وأفطر يومين" قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال: "فصم يوما وأفطر يوما وهو أعدل الصوم وهو صيام داود ﵇" قلت إني أطيق أفضل من ذلك فقال رسول الله ﷺ: "لا أفضل من ذلك" أخرجاه في الصحيحين فان قال قائل فقد بلغنا عن جماعة من السلف أنهم كانوا يسردون الصوم فالجواب أنهم كانوا يقدرون على الجمع بين ذلك وبين القيام بحقوق العائلة ولعل أكثرهم لم تكن له عائلة ولا حاجة إلى الكسب ثم أن فيهم من فعل هذا في آخر عمره على أن قول رسول الله ﷺ لا أفضل من ذلك قطع هذا الحديث وقد داوم جماعة من القدماء على الصوم مع خشونة المطعم وقلته ومنهم من ذهبت عينه ومنهم من نشف دماغه وهذا تفريط في حق النفس الواجب وحمل عليها ما لا تطيق فلا يجوز.
فصل: وقد يشيع على المتعبد أنه يصوم الدهر فيعلم بشياع ذلك فلا يفطر أصلا وإن أفطر أخفى إفطاره لئلا ينكسر جاهه وهذا من خفي الرياء ولو أراد الإخلاص وستر الحال لأفطر بين يدي من قد علم أنه يصوم ثم عاد إلى الصوم ولم يعلم به ومنهم من يخبر بما قد صام فيقول اليوم منذ عشرين سنة ما أفطرت ويلبس عليه بأنك إنما تخبر ليقتدي بك والله أعلم بالمقاصد قال سفيان الثوري ﵁ إن العبد ليعمل العمل في السر فلا يزال به الشيطان حتى يتحدث