ينتضح عَلَيْهِ ولا يظن ظان أنني أمتنع من النظافة والورع ولكن المبالغة الخارجة عَنْ حد الشرع المضيعة للزمان هي التي ننهي عنها ومن ذلك تلبيسه عليهم فِي نية الصلاة فمنهم من يَقُول أصلى صلاة كذا ثم يعيد هَذَا ظنا مِنْهُ أنه قد نقض النية والنية لا تنقض وأن لم يرض اللفظ ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم ينقض فَإِذَا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه فليت شعري مَا الذي أحضر النية حينئذ وما ذاك إلا لأن إبليس أراد أن يفوته الفضيلة وفي الموسوسين من يحلف بالله لا كبرت غير هذه المرة وفيهم من يحلف بالله بالخروج من ماله أَوْ بالطلاق وهذه كلها تلبيسات إبليس والشريعة سمحة سهلة سليمة من هذه الآفات وما جرى لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا لأصحابة شيء من هَذَا وَقَدْ بلغنا عَنْ أبي حازم أنه دخل المسجد فوسوس إليه إبليس أنك تصلي بغير وضوء فَقَالَ مَا بلغ نصحك إِلَى هَذَا.
وكشف هَذَا التلبيس أن يقال للموسوس إن كنت تريد إحضار النية فالنية حاضرة لأنك قمت لتؤدي الفريضة وهذه هي النية ومحلها القلب لا اللفظ إن كنت تريد تصحيح اللفظ فاللفظ لا يجب ثم قد قلته صحيحا فما وجه الإعادة أفتراك تظن وَقَدْ قلت إنك مَا قلت هَذَا مرض.
قال المصنف وَقَدْ حكى لي بعض الأشياخ عَن ابْن عقيل حكاية عجيبة أن رجلا لقيه فَقَالَ إني أغسل العضو وأقول مَا غسلته وأكبر وأقول مَا كبرت فَقَالَ لَهُ ابْن عقيل دع الصلاة فانها مَا تجب عليك فَقَالَ قوم لابن عقيل كيف تقول هَذَا فَقَالَ لهم قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع القلم عَن المجنون حتى يفيق ومن يكبر ويقول مَا كبرت فليس بعاقل والمجنون لا تجب عَلَيْهِ الصلاة.
قال المصنف واعلم أن الوسوسة فِي نية الصلاة سببها خبل فِي العقل وجهل بالتسرع ومعلوم أن من دخل عَلَيْهِ عالم فقام لَهُ وقال نويت أن أنتصب قائما لدخول هَذَا العالم لأجل علمه مقبلا عَلَيْهِ بوجهي صفة فِي عقله فان هَذَا قد تصور فِي ذهنه منذ رأى العالم فقيام الانسان إِلَى الصلاة ليؤدي الفرض أمر يتصور فِي النفس فِي حالة واحدة لا يطول زمانه وإنما يطول زمان نظم هذه الألفاظ والألفاظ لا تلزم والوسواس جهل محض وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر فِي قلبه الظهرية والأذائية والفرضية فِي حالة واحدة مفصلة بألفاظها وَهُوَ يطالعها وذلك محال ولو كلف نفسه ذلك فِي القيام للعالم لتعذر عَلَيْهِ فمن عرف هَذَا عرف النية ثم إِنَّهُ يجوز تقديمها عَلَى التكبير بزمان يسير مَا لم يفسخها فما وجه هَذَا التعب فِي الصاقها بالتكبير عَلَى