البطالة يعبث فقل أن ترى منهم متشاغلا بالتقوى أَوْ ناظرا فِي مطعم فان النحو يغلب طلبه عَلَى السلاطين فيأكل النحاة من أموالهم الحرام كَمَا كان أَبُو علي الْفَارِسِيّ فِي ظل عضد الدولة وغيره وَقَدْ يظنون جواز الشيء وَهُوَ غير جائز لقلة فقههم كَمَا جرى للزجاج أبي إِسْحَاق إبراهيم بْن السري قَالَ كنت أؤدب القاسم بْن عَبْدِ اللَّهِ فأقول لَهُ إن بلغت إِلَى مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي فيقول مَا أحببت فأقول لَهُ أن تعطيني عشرين ألف دِينَار وكانت غاية أمنيتي فما مضت إلا سنون حتى ولى القاسم الوزارة وأنا عَلَى ملازمتي لَهُ وَقَدْ صرت نديمه فدعتني نفسي إِلَى إذكاره بالوعد ثم هبته فلما كان فِي الْيَوْم الثالث من وزارته قَالَ لي يا أبا إسحاق لم أرك أذكرتني بالنذر فقلت عولت عَلَى رعاية الوزير أيده اللَّه وأنه لا يحتاج إِلَى إذكار لنذر عَلَيْهِ فِي أمر خادم واجب الحق فَقَالَ لي إِنَّهُ المعتضد ولولاه مَا تعاظمني دفع ذلك إليك فِي مكان واحد ولكن أخاف أن يصير لي معه حديث فاسمع بأخذه متفرقا فقلت افعل فَقَالَ اجلس للناس وخذ رقاعهم فِي الحوائج الكبار واستعجل عليها ولا تمتنع من مسائلتي شيئا تخاطب فيه صحيحا كان أَوْ محالا إِلَى أن يحصل لك مال النذر ففعلت ذلك وكنت أعرض عَلَيْهِ كل يوم رقاعا فيوقع فيها وربما قَالَ لي كم ضمن لك عَلَى هَذَا فأقول كذا وكذا فيقول غبنت هَذَا يساوي كذا وكذا فاستزد فأراجع القوم ولا أزال أماكسهم ويزيدونني حتى أبلغ الحد الذي رسمه قَالَ فعرضت عَلَيْهِ شيئا عظيما فحصل عندي عشرون ألف دِينَار وأكثر منها فِي مدة مديدة فَقَالَ لي بعد شهور يا أبا إِسْحَاق حصل مال النذر فقلت لا فسكت وكنت أعرض ثم يسألني فِي كل شهر أَوْ نحوه هل حصل المال فأقول لا خوفا من انقطاع الكسب إِلَى أن حصل عندي ضعف المال وسألني يوما فاستحييت من الكذب المتصل فقلت قد حصل ذلك بسعادة الوزير فَقَالَ فرجت وَاللَّه عني فقد كنت مشغول القلب إِلَى أن يحصل لك قَالَ ثم أخذ الدواة ووقع لي إِلَى خازنه بثلاثة آلاف دِينَار صله فأخذتها وامتنعت أن أعرض عَلَيْهِ شيئا ولم أدر كيف أقع مِنْهُ فلما كان من الغد جئته وجلست عَلَى رسمي فأوما إلي هات مَا معك ليستدعي مني الرقاع عَلَى الرسم فقلت مَا أخذت من أحد رقعة لأن النذر قد وقع الوفاء به ولم ادر كيف أقع من الوزير فَقَالَ يا سبحان اللَّه أتراني كنت أقطع عنك شيئا قد صار لك عادة وعلم به الناس وصارت لك به منزلة عندهم وجاه وغدو ورواح إِلَى بابك ولا يعلم سبب انقطاعه فيظن ذلك لضعف جاهك عندي أَوْ تغير رتبتك أعرض علي رسمك وخذ بلا حساب فقبلت يده وباكرته من غد بالرقاع وكنت أعرض عَلَيْهِ كل يوم شيئا إِلَى أن مات وَقَدْ تأثلت مالي هَذَا.