للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينشدون الشعر وسمي بذلك غناء لنوع يثبت فِي الإنشاد وترجيع ومثل ذلك لا يخرج الطباع عَنِ الاعتدال وَكَيْفَ يحتج بذلك الواقع فِي الزمان السليم عند قلوب صافية عَلَى هذه الأصوات المطربة الواقعة فِي زمان كدر عند نفوس قد تملكها الهوى مَا هَذَا إلا مغالطة للفهم أَوْ ليس قد صح فِي الحديث عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها أنها قالت لو رأى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أحدث النساء لمنعهن المساجد وإنما ينبغي للمفتي أن يزن الأحوال كَمَا ينبغي للطبيب أن يزن الزمان والسن والبلد ثم يصف عَلَى مقدار ذلك وأين الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث من غناء أمرد مستحسن بآلات مستطابة وصناعة تجذب إليها النفس وغزليات يذكر فيه الغزال والغزالة والخال والخد والقد والاعتدال فهل يثبت هناك طبع هيهات بل ينزعج شوقا إِلَى المستلذ ولا يدعي أنه لا يجد ذلك إلا كاذب أَوْ خارج عَنْ حد الآدمية ومن أدعى أخذ الإشارة من ذلك إِلَى الخالق فقد استعمل فِي حقه مَا لا يليق به عَلَى أن الطبع يسبقه إِلَى مَا يجد من الهوى وَقَدْ أجاب أَبُو الطيب الطَّبَرِيّ عَنْ هَذَا الحديث بجواب آخر فأَخْبَرَنَا أَبُو القاسم الحريري عنه أنه قال هذ الحديث حجتنا لأن أبا بَكْر سمي ذلك مزمور الشَّيْطَان ولم ينكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أبي بَكْر قوله وإنما منعه من التغليظ فِي الإنكار لحسن رفعته ولا سيما فِي يوم العيد وَقَدْ كانت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها صغيرة فِي ذلك الوقت ولم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء وَقَدْ كان ابْن أخيها القاسم بْن مُحَمَّد يذم الغناء ويمنع من سماعه وَقَدْ أخذ العلم عنها.

قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وأما اللهو المذكور فِي الحديث الآخر فليس بصريح فِي الغناء فيجوز أن يكون إنشاد الشعر أَوْ غيره وأما التشبيه بالاستماع إِلَى القينة فلا يمتنع أن يكون المشبه حراما فَإِن الإنسان لو قَالَ وجدت للعسل لذة أكثر من لذة الخمر كان كلاما صحيحا وإنما وقع التشبيه بالاصغاء فِي الحالتين فيكون أحدهما حلالا أَوْ حراما لا يمنع من التشبيه وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام: "أنكم لترون ربكم كَمَا ترون القمر" فشبه أيضا الرؤية بإيضاح الرؤية وإن كان وقع الفرق بأن القمر فِي جهة يحيط به نظر الناظر والحق منزه عَنْ ذلك والفقهاء يقولون فِي ماء الوضوء لا ننشف الأعضاء مِنْهُ لأنه أثر عبادة فلا يسن مسحه كدم الشهيد فقد جمعوا بينهما من جهة اتفاقهما فِي كونهما عبادة وإن افترقا فِي الطهارة والنجاسة واستدلال ابْن طاهر بأن القياس لا يكون إلا عَلَى مباح فقيه الصوفية لا علم الفقهاء وأما قوله يتغنى بالقرآن فقد فسره سفيان بْن عيينة فَقَالَ معناه يستغني به وفسره الشافعي فَقَالَ معناه يتحزن به ويترنم وقال غيرهما يجعله مكان غناء الركبان إذا ساروا وأما الضرب بالدف فقد كان جماعة من التابعين يكسرون الدفوف وما

<<  <   >  >>