ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي الخروج عَن الأموال والتجرد عنها
كان إبليس يلبس عَلَى أوائل الصوفية لصدقهم فِي الزهد فيريهم عيب المال ويخوفهم من شره فيتجردون من الأموال ويجلسون عَلَى بساط الفقر وكانت مقاصدهم صالحة وأفعالهم فِي ذلك خطأ لقلة العلم فأما الآن فقد كفى إبليس هذه المؤنة فان أحدهم إذا كان لَهُ مال أنفقه تبذيرا وضياعا والحديث بإسناد عَنْ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السليمي قَالَ سَمِعْتُ أبا نصر الطوسي قَالَ سَمِعْتُ جماعة من مشايخ الري يقولون ورث أَبُو عَبْد اللَّهِ المقري من أبيه خمسين ألف دِينَار سوى الضياع والعقار فخرج عَنْ ذلك كله وأنفقه عَلَى الفقراء.
وقد روى مثل هَذَا عَنْ جماعة كثيرة وهذا الفعل لا ألوم صاحبه إذا كان يرجع إِلَى كفاية قد أدخرها لنفسه أَوْ إن كانت لَهُ صناعة يستغني بِهَا عَن الناس أَوْ كان المال عَنْ شبهة فتصدق به أما إذا أخرج المال الحلال كله ثم احتاج إِلَى مَا فِي أيدي الناس وأفقر عياله فهو إما أن يتعرض لمنن الأخوان أَوْ لصدقاتهمن أَوْ أن يأخذ من أرباب الظلم والشبهات فهذا هو الفعل المذموم المنهي عنه ولست أتعجب من المتزهدين الذين فعلوا هَذَا مَعَ قلة علمهم وإنما العجب من أقوام لهم عقل وعلم وَكَيْفَ حثوا عَلَى هَذَا وأمروا به مَعَ مصادمته للعقل والشرع وَقَدْ ذكر الحارث المحاسبي فِي هَذَا كلاما طويلا وشيده أَبُو حامد الغزالي ونصره والحارث عندي أعذر من أبي حامد لأن أبا حامد كان أفقه غير أن دخوله فِي التصوف أوجب عَلَيْهِ نصرة مَا دخل فيه.
فمن كلام الحارث المحاسبي فِي هَذَا أنه قَالَ أيها المفتون متى زعمت أن جمع المال الحلال أعلى وأفضل من تركه فقد أزريت بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمرسلين وزعمت أن محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينصح الأمة إذ نهاهم عَنْ جمع المال وَقَدْ علم أن جمعة خير لهم وزعمت أن اللَّه لم ينظر لعباده حين نهاهم عَنْ جمع المال وَقَدْ علم أن جمعة خير لهم وما ينفعك الاحتجاج بمال الصحابة وابن عوف فِي القيامة أن لو لم يؤت من الدنيا إلا قوتا قال ولقد بلغني أنه لما توفي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف قَالَ ناس من