ومن مات غريبا فيبكي بِهَا النساء ويصير المكان كالمأتم وإنما ينبغي أن يذكر الصبر عَلَى فقد الأحباب لا مَا يوجب الجزع ومنهم من يتكلم فِي دقائق الزهد ومحبة الحق سبحانه فليس عَلَيْهِ إبليس إنك من جملة الموصوفين بذلك لأنك لم تقدر عَلَى الوصف حتى عرفت مَا تصف وسلكت الطريق وكشف هَذَا التلبيس أن الوصف علم والسلوك غير العلم ومنهم من يتكلم بالطامات والشطح الخارج عَن الشرع ويستشهد بأشعار العشق وغرضه أن يكثر فِي مجلسه الصياح ولو عَلَى كلام فاسد وكم منهم من يزوق عبارة لا معنى تحتها وأكثر كلامهم الْيَوْم فِي مُوسَى والجبل وزليخا ويوسف ولا يكادون يذكرون الفرائض ولا ينهون عَنْ ذنب فمتى يرجع صاحب الزنا ومستعمل الربا وتعرف المرأة حق زوجها وتحفظ صلاتها هيهات هؤلاء تركوا الشرع وراء ظهورهم ولهذا نفقت سلعهم لأن الحق ثقيل والباطل خفيف ومنهم من يحث عَلَى الزهد وقيام الليل ولا يبين للعامة المقصود فربما تاب الرَّجُل منهم وانقطع إِلَى زاوية أَوْ خرج إِلَى جبل فبقيت عائلته لا شيء لهم ومنهم من يتكلم فِي الرجاء والطمع من غير أن يمزج ذلك بما يوجب الخوف والحذر فيزيد الناس جرأة عَلَى المعاصي ثم يقوي مَا ذكر بميله إِلَى الدنيا من المراكب الفاهرة والملابس الفاخرة فيفسد القلوب بقوله وفعله.
فصل: وقد يكون الواعظ صادقا قاصدا للنصيحة إلا أن منهم من شرب الرئاسة فِي قلبه مَعَ الزمان فيجب أن يعظم وعلامته أنه إذا ظهر واعظ ينوب عنه أَوْ يعينه عَلَى الخلق كره ذلك ولو صح قصده لم يكره أن يعينه عَلَى خلائق الخلق.
فصل: ومن القصاص من يخلط فِي مجلسه الرجال والنساء وترى النساء يكثرن الصياح وجدا عَلَى زعمهن فلا ينكر ذلك عليهن جمعا للقلوب عَلَيْهِ ولقد ظهر فِي زماننا هَذَا من القصاص مَا لا يدخل فِي التلبيس لأنه أمر صريح من كونهم جعلوا القصص معاشا يستمحنون به الأمراء والظلمة والآخذ من أصحاب المكوس والتكسب به فِي البلدان وفيهم من يحضر المقابر فيذكر البلى وفراق الأحبة فيبكي النسوة ولا يحث على الصبر.
فصل: وقد يلبس إبليس عَلَى الواعظ المحقق فيقول لَهُ مثلك لا يعظ وإنما يعظ متيقظ فيحمله عَلَى السكوت والانقطاع وذلك من دسائس إبليس لأنه يمنع فعل الخير ويقول إنك تلتذ بما تورده وتجد بذلك سد باب الخير وعن ثابت قَالَ كان الْحَسَن فِي مجلس فَقِيلَ للعلاء تكلم فَقَالَ أَوْ هناك أنا ثم ذكر