فِي همهمة لَهُ تعلق بي فتعلقت به فأخرجني فنظرت فَإِذَا هو سبع فهتف بي هاتف وَهُوَ يَقُول يا أبا حمزة أليس ذا حسن نجيناك من التلف بالتلف أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت نا أَبُو القاسم رضوان بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ الدينوري قَالَ سمعت أحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ النيسابوري
يَقُول سمعت أبا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن نعيم يحكي عَنْ أبي حمزة الصوفي الدمشقي أنه لما خرج من البئر أنشد يَقُول:
نهائي حيائي منك أن أكشف الهوى ... فأغنيتني بالقرب منك عَنِ الكشف
ترأيت لي بالغيب حتى كأنني ... تبشرني بالغيب إنك فِي الكف
أراك وبي من هيبتي لك وحشة ... وتؤنسني بالعطف منك وباللطف
وتحيىء محبا أنت فِي الحب حتفه ... وذا عجب كون الحياة مَعَ الحتف
قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت اختلفوا فِي أبي حمزة هَذَا الواقع فِي البئر فَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي هو أَبُو حمزة هَذَا الواقع فِي البئر فَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي هو أَبُو حمزة الخراساني وكان من أقران الجنيد وَقَدْ ذكرنا فِي رواية أخرى أنه دمشقي وقال أَبُو نعيم الْحَافِظ هو أَبُو حمزة البغدادي واسمه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وذكره الخطيب فِي تاريخه وذكر لَهُ هذه الحكاية وأيهم كان فهو مخطىء فِي فعله مخالف للشرع بسكوته معين بصمته عَلَى نفسه وَقَدْ كان يجب عَلَيْهِ أن يصيح ويمنع من طم البئر كَمَا يجب عَلَيْهِ أن يدفع عَنْ نفسه من يقصد قتله وقوله لا أستغيث كقول القائل لا آكل الطعام ولا أشرب الماء وهذا جهل من فاعله ومخالفة الحكمة فِي وضع الدنيا فَإِن اللَّه تعالى وضع الأشياء عَلَى حكمة فوضع للآدمي يدا يدافع بِهَا ولسانا ينطق به وعقلا يهديه إِلَى دفع المضار واجتلاب المصالح وجعل الأغذية والأدوية لمصلحة الآدميين فمن أعرض عَنِ استعمال مَا خلق لَهُ وأرشد إليه فقد رفض أمر الشرع وعطل حكمة الصانع فَإِن قَالَ جاهل فكيف أحترز مَعَ أمر القدر قلنا وَكَيْفَ لا يحترز مَعَ أمر المقدر وَقَدْ قَالَ اللَّه تعالى:{خُذُوا حِذْرَكُمْ} وَقَدِ اختفى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغار وقال لسراقة: "اخف عنا" واستأجر دليلا إِلَى المدينة ولم يقل اخرج عَلَى التوكل وما زال ببدنه مَعَ الأسباب وبقلبه مَعَ المسبب وَقَدْ أحكمنا هَذَا الأصل فيما تقدم وقول أبي حمزة فنوديت من باطني هَذَا من حديث النفس الجاهلة التي قد استقر عندها بالجهل أن التوكل ترك التمسك بالأسباب لأن الشرع لا يطلب من الإنسان مَا نهاه عنه وهلا نافره باطنه فِي مديده وتعليقه بذلك المتدلي إليه وتمسكه به فَإِن ذلك أيضا نقض لما ادعاه من ترك الأسباب الذي يسميه التوكل لأنه أي فرق بين قوله أنا فِي البئر وبين تمسكه بما تدلى عَلَيْهِ لا بل هَذَا آكد لأن الفعل آكد من القول فهلا سكت حتى يحمل بلا سبب فَإِن قَالَ هَذَا