جرى فِي هَذَا من الحروب وَقَدْ جرى فِي هَذَا بين أهل الكوخ وأهل باب البصرة عَلَى مر السنين من القتل وإحراق المحال مَا يطول ذكره وترى كثيرا ممن يخاصم فِي هَذَا يلبس الحرير ويشرب الخمر ويقتل النفس وأبو بَكْر وعلي بريئان منهم وَقَدْ يحس العامي فِي نفسه نوع فهم فيسول لَهُ إبليس مخاصمة ربه فمنهم من يَقُول لربه كيف قضى وعاقب ومنهم من يَقُول لم ضيق رزق المتقي وأوسع عَلَى العاصي ومنهم طائفة تشكر عَلَى النعم فَإِذَا جاء البلاء أعترض وكفر ومنهم من يَقُول أي حكمة فِي هدم هذه الأجساد يعذبها بالفناء بعد بنائها ومنهم من يستبعد البحث ومن هؤلاء من يحتل عَلَيْهِ مقصوده أَوْ يبتلى ببلاء فيكفر ويقول أنا مَا أريد أصلي وربما غلب فاجر نصراني مؤمنا فقتله أَوْ ضربه فيقول العوام قد غلب الصليب ولماذا نصلي إذا كان الأمر كذلك وكل هذه الآفات تمكن بِهَا منهم إبليس لبعدهم عَنِ العلم والعلماء فلو أنهم استفهموا أهل العلم لأخبروهم أن اللَّه عز وجل حكيم ومالك فلا يبقى مَعَ هَذَا اعتراض.
فصل: ومن العوام من يرضى عَنْ عقل نفسه فلا يبالي بمخالفة العلماء فمتى خالفت فتواهم غرضه أخذ يرد عليهم ويقدح فيهم وقد كان ابْن عقيل يَقُول قد عشت هذه السنين فلو أدخلت يدي فِي صنعة صانع لقال أفسدتها علي فلو قلت أنا رجل عالم لقال بارك اللَّه لك فِي علمك ليس هَذَا من شغلك هَذَا وشغله أمر حسي لو تعاطيته فهمته والذي أنا فيه من الأمور أمر عقلي فَإِذَا أفتيته لم يقبل.
فصل: ومن تلبيسه عليهم تقديمهم المتزهدين عَلَى العلماء فلو رأوا جبة صوف عَلَى أجهل الناس عظموه خصوصا إذا طأطأ رأسه وتخشع لهم ويقولون أين هَذَا من فلان العالم ذاك طالب الدنيا وهذا زاهد لا يأكل عنبة ولا رطبة ولا يتزوج قط جهلا منهم بفضل العلم عَلَى الزاهد ويثارا للمتزهدين عَلَى شريعة مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن نعمة اللَّه سبحانه وتعالى عَلَى هؤلاء أنهم لم يدركوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ لو رأوه يكثر التزويح ويصطفى السبايا ويأكل لحم الدجاج ويحب الحلوى والعسل لم يعظم في صدورهم.
فصل: ومن تلبيسه عليهم قدحهم فِي العلماء بتناول المباحات وذلك من أقبح الجهل وأكثر ميلهم إِلَى الغرباء فهم يؤثرون الغريب عَلَى أهل بلدهم ممن قد خبروا أمره وعرفوا عقيدته فيميلون إِلَى الغريب ولعله من الباطنية وإنما ينبغي تسليم النفوس إِلَى من خبرت معرفته قَالَ اللَّه عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ومن اللَّه سبحانه فِي إرسال مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ