للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَى الخلق بأنهم يعرفون حاله فَقَالَ عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} .

فصل: وقد يخرج بالعوام تعظيم المتزهدين إِلَى قبول دعاويهم وإن خرقوا الشريعة وخرجوا عَنْ حدودها فترى المتنمس يَقُول للعامي أنت فعلت بالأمس كذا وسيجري عليك كذا فيصدقه ويقول هَذَا يتكلم عَلَى الخاطر ولا يعلم أن ادعاء الغيب كفر ثم يرون من هؤلاء المتنمسين أمورا لا تحل كمؤاخاة النساء والخلوة بهن ولا ينكرن ذلك تسليما لهم أحوالهم.

فصل: ومن تلبيسه على العوام اطلاقهم أنفسهم فِي المعاصي فَإِذَا وبخوا تكلموا كلام الزنادقة فمنهم من يَقُول لا أترك نقدا لنسيئة ولو فهموا لعلموا أن هَذَا ليس بنقد لأنه محرم وإنما يخير بين النقد والنسيئة المباحين فمثلهم كمثل محموم جاهل يأكل العسل فَإِذَا عوتب قَالَ الشهوة نقد والعافية نسيئة ثم لو عملوا حقيقة الإيمان لعلموا أن تلك النسيئة وعد صادق لا يخلف ولو عملوا عمل التجار الذين يخاطرون بكثير من المال لما يرجونه من الربح الليل لعلموا أن مَا تركوه قليل وما يرجونه كثير ولو أنهم ميزوا بين مَا آثروا وما أفاتوا أنفسهم لرأوا تعجيل مَا تعجلوا إذ فاتهم الربح الدائم وأوقعهم فِي العذاب الذي هو الخسران المبين الذي لا يتلافى ومنهم من يَقُول الرب كريم والعفو واسع والرجاء من الدين فيسمون تمنيهم واغترارهم رجاء وهذا الذي أهلك عامة المذنبين قَالَ أَبُو عمرو بْن العلاء بلغني أن الفرزدق جلس إِلَى قوم يتذكرون رحمة اللَّه فكان أوسعهم فِي الرجاء صدرا فَقَالَ لَهُ لم تقذف المحصنات فَقَالَ أحقروني لو أذنبت إِلَى ولدي مَا أذنبته إِلَى ربي عز وجل أتراهما كانا يطيبان نفسا أن يقذفاني في تنور مملؤا جمرا قالوا لا إنما كانا يرحمانك قَالَ فأني أوثق برحمة ربي منهما قلت وهذا هو الجهل المحض لأن رحمة اللَّه عز وجل ليست برقة طبع ولو كانت كذلك لما ذبح عصفورا ولا أميت طفل ولا أدخل أحد إِلَى جهنم وبإسناد عَنْ عباد قَالَ الأصمعي كنت مَعَ أبي نواس بمكة فَإِذَا أنا بغلام أمرد يستلم الحجر الأسود فَقَالَ لي أَبُو نواس وَاللَّه لا أبرح حتى أقبله عند الحجر الأسود فقلت ويلك أتق اللَّه عز وجل فإنك ببلد حرام وعند بيته الحرام فَقَالَ مَا مِنْهُ بد ثم دنا من الحجر فجاء الغلام يستلمه فبادر أَبُو نواس فوضع خده عَلَى خد الغلام فقبله وأنا أنظر فقلت ويلك أفي حرم اللَّه عز وجل فَقَالَ دع ذا عنك فَإِن ربي رحيم ثم أنشد يَقُول:

وعاشقان التف خداهما ... عند استلام الحجر الأسود

فاشتفيا من غير أن يأثما ... كأنما كانا عَلَى موعد

<<  <   >  >>