ذكر تلبيس إبليس عَلَى الصوفية فِي ترك الجمعة والجماعة بالوحدة والعزلة.
قَالَ المصنف: كان خيار السلف يؤثرون الوحدة والعزلة عَنِ الناس اشتغالا بالعلم والتعبد إلا أن عزلة القوم لم تقطعهم عَنْ جمعة ولا جماعة ولا عيادة مريض ولا شهود جنازة ولا قيام بحق وإنما هي عزلة عَنِ الشر وأهله مخالطة البطالين وَقَدْ لبس إبليس عَلَى جماعة من المتصوفة فمنهم من أعتزل فِي جبل كالرهبان يبيت وحده ويصبح وحده ففاتته الجمعة وصلاة الْجَمَاعَة ومخالطة أهل العلم وعمومهم اعتزل فِي الأربطة ففاتهم السعي إِلَى المساجد وتوطنوا عَلَى فراش الراحة وتركوا الكسب وَقَدْ قَالَ أَبُو حامد الغزالي فِي كتاب الأحياء مقصودة الرياضة تفريغ القلب وليس ذلك إلا بخلوة فِي مكان مظلم وقال فَإِن لم يكن مكان مظلم فيلف رأسه فِي جبته أَوْ يتدثر بكساء أَوْ أزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت أنظر إِلَى هذه الترتيبات والعجب كيف تصدر من فقيه عالم ومن أين لَهُ أن الذي يسمعه نداء الحق وأن الذي يشاهده جلال الربوبية وما يؤمنه أن يكون مَا يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة وهذا الظاهر ممن يستعمل التقلل فِي المطعم فإنه يغلب عَلَيْهِ الماليخوليا وقد يسلم الإنسان فِي مثل هذه الحالة من الوساوس إلا أنه إذا تغشى بثوبه وغمض عينيه تخايل هذه الأشياء لأن فِي الدماغ ثلاث قوى قوة يكون بِهَا التخيل وقوة يكون بِهَا الفكرة وقوة يكون بِهَا الذكر وموضع التخيل البطنان المقدمان من بطون الدماغ وموضع التفكر البطن الأوسط من بطون الدماغ وموضع الحفظ الموضع المؤخر فَإِن أطرق الإنسان وغمض عينيه جال الفكر والتخيل فيرى خيالات فيظنها مَا ذكر من حضرة جلال الربوبية إِلَى غير ذلك نعوذ بالله من هذه الوساوس والخيالات الفاسدة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا رزق اللَّه بْن عَبْدِ الْوَهَّاب نا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ