وهذا من أقبح التلبيس لأن الشريعة سياسة إلهية ومحال أن يقع فِي سياسة الإله خلل يحتاج معه إِلَى سياسة الخلق قَالَ اللَّه عز وجل:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} فمدعي السياسة مدعي الخلل فِي الشريعة وهذا يزاحم الكفر وَقَدْ روينا عَنْ عضد الدولة أنه كان يميل إِلَى جارية فكانت تشغل قلبه فأمر بتغريقها لئلا يشتغل قلبه عَنْ تدبير الملك وهذا هو الجنون المطبق لأن قتل مسلم بلا جرم لا يحل واعتقاده أن هَذَا جائز كفر وأن أعتقده غير جائز لكنه رآه مصلحة فلا مصلحة فيما يخالف الشرع والسادس أنه يحسن لهم الانبساط فِي الأموال ظانين أنها بحكمهم.
وهذا تلبيس يكشفه وجوب الحجر عَلَى المفرط فِي مال نفسه فكيف بالمستأجر فِي حفظ مال غيره وإنما لَهُ من المال بقدر عمله فلا وجه للانبساط قَالَ ابْن عقيل وَقَدْ روي عَنْ حماد الرواية أنه أنشد الوليد بْن يَزِيد أبياتا فأعطاه خمسين ألفا وجاريتين قَالَ وهذا مما يروى عَلَى وجه المدح لهم وَهُوَ غاية القدح فيهم لأنه تبذير فِي بيت مال المسلمين وقد يزين لبعضهم منع المستحقين وَهُوَ نظير التبذير والسابع أنه يحسن لهم الانبساط فِي المعاصي ويلبس عليهم أن حفظكم للسبيل وأمن البلاد بكم يمنع عنكم العقاب وجواب هَذَا أن يقال إنما وليتم لتحفظوا البلاد وتؤمنوا السبل وهذا وجب عليهم وما انبسطوا فيه من المعاصي منهي عنه فلا يرفع هَذَا ذلك والثامن أنه يلبس عَلَى أكثرهم بأنه قد قَامَ بما يجب من جهة أن ظواهر الأحوال مستقيمة ولو حقق النظر لرأى اختلالا كثيرا وَقَدْ روينا عَن القاسم بْن طلحة بْن مُحَمَّد الشاهد قَالَ رأيت عَلِيّ بْن عِيسَى الوزير وَقَدْ وكل بدور البطيخ رجلا برزق يطوف يطوف عَلَى باعة العنب فَإِذَا اشترى أحد سلة عنب خمري لم يعرض لَهُ وإن اشترى سلتين فصاعدا طرح عليها الملح لئلا يتمكن من عملها خمرا قَالَ وأدركت السلاطين يمنعون المنجمين من القعود فِي الطرق حتى لا يفشو العمل بالنجوم وأدركنا الجند ليس فيهم أحد معه غلام أمرد لَهُ طرة ولا شعر إلى أن بدىء بحكم العجم والتاسع أنه يحسن لهم استجلاب الأموال واستخراجها بالضرب العنيف وأخذ كل مَا يملكه الخائن واستخلافه وإنما الطريق إقامة البينة عَلَى الخائن وقد روينا عَنْ عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز أن غلاما كتب لَهُ أن قوما خانوا فِي مال اللَّه ولا أقدر عَلَى استخلاص مَا في أيديهم إلا أن أنالهم بعذاب فكتب إليه لأن يلقوا اللَّه بخيانتهم أحب إلي من أن ألقاه بدمائهم والعاشر أنه يحسن لهم التصدق بعد الغضب يريهم أن هَذَا يمحو ذلك ويقول إن درهما من الصدقة يمحو إثم عشرة من الغضب وهذا محال لأن إثم الغضب باق ودرهم الصدقة إن كان من الغضب لم