جميع ملكه وغرق فِي هذه الدجلة سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ وقرأ بكذا وكذا رواية يعني بذلك نفسه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قد سبق القول بأن العلم نور وأن إبليس يحسن للإنسان إطفاء النور ليتمكن مِنْهُ فِي الظلمة ولا ظلمة كظلمة الجهل ولما خاف إبليس أن يعاود هؤلاء مطالعة الكتب فربما استدلوا بذلك عَلَى مكايده حسن لَهُ دفن الكتب وإتلافها وهذا فعل قبيح محظور وجهل بالمقصود بالكتب وبيان هَذَا أن أصل العلوم القرآن والسنة فلما علم الشرع أن حفظهما يصعب أمر بكتابة المصحف وكتابة الحديث فأما القرآن فَإِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا نزلت عَلَيْهِ آية دعى بالكاتب فأثبتها وكانوا يكتبونها فيء العسب والحجارة وعظام الكتف ثم جمع القرآن بعده فِي المصحف أَبُو بَكْر صوتا عَلَيْهِ ثم نسخ من ذلك عثمان بْن عفان رَضِيَ اللَّهُ عنه وبقية الصحابة وكل ذلك لحفظ القرآن لئلا يشذ مِنْهُ شيء وأما السنة فَإِن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصر الناس فِي بداية الإسلام عَلَى القرآن وقال: "لا تكتبوا عني سوى القرآن" فلما كثرت الأحاديث ورأى قلة ضبطهم أذن لهم فِي الكتابة فروي عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه شكى إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلة الحفظ فَقَالَ: "ابسط دراءك" فبسط رداءه وحدثه النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام وقال: "ضمه إليك" فَقَالَ أَبُو هريرة فلم أنس بعد ذلك شيئا بما حدثنيه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي رواية أنه قَالَ: "استعن عَلَى حفظك بيمينك" يعني بالكتابة وروى عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ بْن عمرو أنه قَالَ: "قيدوا العلم" فقلت يا رَسُول اللَّهِ وما تقييده قَالَ: "الكتابة" وروى عنه أيضا رافع بْن خديج قَالَ قلنا يا رَسُول اللَّهِ إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها قَالَ: "اكتبوا ولا حرج".
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: واعلم أن الصحابة ضبطت ألفاظ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحركاته وأفعاله واجتمعت الشريعة من رواية هَذَا ورواية هَذَا وقد قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بلغو عني" وقال: "نضر اللَّه أمرا سمع مقالتي فوعاها فأداها كَمَا سمعها" وتأدية الحديث كَمَا يسمع لا يكاد يحصل إلا من الكتابة لأن الحفظ خوان وَقَدْ كان أَحْمَد بْن حنبل رَضِيَ اللَّهُ عنه يحدث بالحديث فيقال لَهُ أمله علينا فيقول لا بل من الْكِتَاب وقد قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أمرني سيدي أَحْمَد بْن حنبل أن لا أحدث إلا من الْكِتَاب فَإِذَا كانت الصحابة قد روت السنة وتلقتها التابعون وسافر المحدثون وقطعوا شرق الأَرْض وغربها لتحصيل كلمة من ههنا وكلمة من هنا وصححوا مَا صح وزيفوا مَا لم يصح وجرحوا الرواة وعدلوا وهذبوا السنن وصنفوا ثم من يغسل ذلك فيضيع التعب ولا يعرف