قال المصنف: دخل إبليس عَلَى هذه الأمة فِي عقائدها من طريقين أحدهما التقليد للآباء والأسلاف والثاني الخوض فيما لا يدرك غوره ويعجز الخائض عَن الوصول إِلَى عمقه فأوقع أصحاب هَذَا القسم فِي فنون من التخليط فأما الطريق الأَوَّل فَإِن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه والصواب قد يخفى والتقليد سليم وَقَدْ ضل فِي هَذَا الطريق خلق كثير وبه هلاك عامة الناس فإن اليهود والنصارى قلدوا آباءهم وعلماءهم فضلوا وكذلك أهل الجاهلية واعلم أن العلة التي بِهَا مدحوا التقليد بِهَا يذم لأنه إذا كانت الأدلة تشتبه والصواب يخفى وجب هجر التقليد لئلا يوقع فِي ضلال وقد ذم اللَّه سبحانه وتعالى الواقفين مَعَ تقليد آبائهم وأسلافهم فَقَالَ عز وجل: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} المعنى أتتبعونهم وَقَدْ قَالَ عز وجل: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} .
قال المصنف: أعلم أن المقلد عَلَى غير ثقة فيما قلد فيه وفي التقليد إبطال منفعة العقل لأنه إنما خلق للتأمل والتدبر وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بِهَا أن يطفئها ويمشي فِي الظلمة واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم فِي قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قَالَ وهذا عين الضلال لأن النظر ينبغي أن يكون إِلَى القول لا إِلَى القائل كَمَا قَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عنه للحرث بْن حوط وَقَدْ قَالَ لَهُ أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كانا عَلَى باطل فَقَالَ لَهُ يا حارث إِنَّهُ ملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال أعرف الحق تعرف أهله وكان أَحْمَد بْن حنبل يَقُول من ضيق علم الرَّجُل أن يقلد فِي اعتقاده رجلا ولهذا أخذ أَحْمَد بْن حنبل يَقُول زيد فِي الجد وترك قول أبي بَكْر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عنه فَإِن قَالَ قائل فالعوام لا يعرفون الدليل فكيف لا يقلدون فالجواب إن دليل الاعتقاد ظاهر عَلَى مَا أشرنا إليه فِي ذكر الدهرية ومثل ذلك لا يخفى عَلَى عاقل وأما الفروع فإنها لما كثرت حوادثها واعتاص عَلَى العامي عرفانها وقرب لها أمر الخطأ فيها كان