أصلح مَا يفعله العامي التقليد فيها لمن قد سبر ونظر إلا أن اجتهاد العامي فِي اختيار من يقلده.
قال المصنف: وأما الطريق الثاني فَإِن إبليس لما تمكن من الأغبياء فورطهم فِي التقليد وساقهم سوق البهائم ثم رأى خلقا فيهم نوع ذكاء وفطنة فاستغواهم عَلَى قدر تمكنه منهم فمنهم من قبح عنده الجمود عَلَى التقليد وأمره بالنظر ثم استغوى كلا من هؤلاء بفن فمنهم من أراه أن الوقوف مَعَ ظواهر الشرائع عجز فساقهم إِلَى مذهب الفلاسفة ولم يزل بهؤلاء حتى أخرجهم عَن الإسلام وَقَدْ سبق ذكرهم فِي الرد عَلَى الفلاسفة ومن هؤلاء من حسن لَهُ أن لا يعتقد إلا مَا أدركته حواسه فيقال لهؤلاء بالحواس علمتم صحة قولكم فَإِن قالوا نعم كابروا لأن حواسنا لم تدرك مَا قالوا إذ مَا يدرك بالحواس لا يقع فيه خلاف وإن قالوا بغير الحواس ناقضوا قولهم ومنهم من نفره إبليس عَن التقليد وحسن لَهُ الخوض فِي علم الكلام والنظر فِي أوضاع الفلاسفة ليخرج بزعمه عَنْ غمار العوام وَقَدْ تنوعت أحوال المتكلمين وأفضى الكلام بأكثرهم إِلَى الشكوك وببعضهم إِلَى الإلحاد ولم تسكت القدماء من فقهاء هذه الأمة عَن الكلام عجزا ولكنهم رأوا أنه لا يشفي غليلا ثم يرد الصحيح عليلا فأمسكوا عنه ونهوا عَن الخوض فيه حتى قَالَ الشافعي رحمه اللَّه لان يبتلى العبد بكل مَا نهى اللَّه عنه مَا عدا الشرك خير لَهُ من أن ينظر فِي الكلام قَالَ وإذا سمعت الرَّجُل يَقُول الاسم هو المسمى أَوْ غير المسمى فاشهد أنه من أهل الكلام ولا دين لَهُ قَالَ وحكمي فِي علماء الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم فِي العشائر والقبائل ويقال هَذَا جزاء من ترك الْكِتَاب والسنة وأخذ فِي الكلام وقال أَحْمَد بْن حنبل لا يفلح صاحب كلام أبدا علماء الكلام زنادقة.
قال المصنف: قلت وَكَيْفَ لا يذم الكلام وَقَدْ أفضى بالمعتزلة إِلَى أنهم قالوا إن اللَّه عز وجل يعلم جمل الأشياء ولا يعلم تفاصيلها وقال جهم بْن صفوان علم اللَّه وقدرته وحياته محدثة وقال أَبُو مُحَمَّد النوبختي عَنْ جهم أنه قَالَ إن اللَّه عز وجل ليس بشيء وقال أَبُو علي الجبائي وأبو هاشم ومن تابعهما من البصريين المعدوم شيء وذات ونفس وجوهر وبياض وصفرة وحمرة وإن الباري سبحانه وتعالى لا يقدر عَلَى جعل الذات ذاتا ولا العرض عرضا ولا الجوهر جوهرا وإنما هو قادر عَلَى إخراج الذات من العدم إِلَى الوجود وحكى القاضي أَبُو يَعْلَى فِي كتاب المقتبس قَالَ قَالَ لي العلاف المعتزلي لنعيم أهل الْجَنَّة وعذاب أهل النار أمر لا يوصف اللَّه بالقدرة عَلَى دفعه ولا تصح الرغبة حينئذ إليه ولا الرهبة مِنْهُ لأنه لا يقدر إذ ذاك عَلَى خير ولا شر ولا نفع ولا ضر.