بعثه اللَّه لي قلنا والذي جاز عَلَى البئر من بعثه واللسان المستغيث من خلقه فإنه لو استغاث كان مستعملا للأسباب التي خلقها اللَّه تعالى لينتفع بِهَا للدفع عنه فلم يستعملها وإنما بسكوته عطل الأسباب التي خلقها اللَّه تعالى لَهُ ودفع الحكمة فصح لومه عَلَى ترك السبب وأما تخليصه بالأسد فَإِن صح هَذَا فقد يتفق مثله ثم لا ينكر أن اللَّه تعالى يلطف بعبده وإنما ينكر فعله المخالف للشرع.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْرِ أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن ثابت ثنا عَبْدُ الْعَزِيز ابْن أبي الْحَسَن قَالَ سمعت عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهضم المكي يَقُول ثنا الخلدي قَالَ قَالَ الجنيد قَالَ لي مُحَمَّد السمين كنت فِي طريق الكوفة بقرب الصحراء التي بين قباء والصخرة التي تفريقنا منها والطريق منقطع فرأيت علي الطريق جملا قد سقط ومات وعليه سبعة أَوْ ثمانية من السباع تتناهش لحمه يحمل بعضها عَلَى بعض فلما أن رأيتهم كأن نفسي اضطربت وكانوا عَلَى قارعة الطريق فقالت لي نفسي تميل يمينا أَوْ شمالا فأبيت عليها إلا أن آخذ عَلَى قارعة الطريق فحملتها عَلَى أن مشيت حتى وقفت عليهم بالقرب منهم كأحدهم ثم رجعت إِلَى نفسي لأنظر كيف فَإِذَا هي الروع معي قائم فأبيت أن أبرح وهذه صفتي فقعدت بينهم ثم نظرت بعد قعودي فَإِذَا الروع معي فأبيت أن أبرح وهذه صفتي فوضعت جنبي فنمت مضطجعا فتغاشاني النوم فنمت وأنا عَلَى تلك الهيئة والسباع فِي المكان الذي كانوا عَلَيْهِ فمضى بي وقت وأنا نائم فاستيقظت فَإِذَا السباع قد تفرقت ولم يبق منها شيء واذا الذي كنت أجده قد زال فقمت وأنا عَلَى تلك الهيئة فانصرفت.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت فهذا الرَّجُل قد خالف الشرع فِي تعرضه للسباع ولا يحل لأحد أن يتعرض لسبع أَوْ لحية بل يجب عَلَيْهِ أن يفر مما يؤذيه أَوْ يهلكه وفي الصحيحين أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا وقع الطاعون وأنتم بأرض فلا تقدموا عَلَيْهِ وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" ومر عَلَيْهِ الصلاة والسلام بحائط مائل فأسرع وهذا الرَّجُل قد أراد من طبعه أن لا ينزعج وهذا شيء مَا سلم مِنْهُ مُوسَى عَلَيْهِ السلام فإنه لما رأى الحية خاف وولى مدبرا فَإِن صح مَا ذكره وَهُوَ بعيد الصحة لأن طباع الآدمين تتساوى فمن قَالَ لا أخاف السبع بطبعي كذبناه كَمَا لو قَالَ أنا لا أشتهي النظر إِلَى المستحسن وكأنه قهر نفسه حتى نام بينهم استسلاما للهلاك لظنه أن هَذَا هو التوكل وهذا خطأ لأنه لو كان هَذَا هو التوكل مَا نهى عَنْ مقاربة مَا يخاف شره ولعل السباع اشتغلت عنه وشبعت من الجمل والسبع إذا شبع لا يفترس ولقد كان أَبُو تراب النخشبي من كبار القوم فلقيته السباع البرية فنهشته فمات ثم لا ينكر أن يكون اللَّه تعالى لطف به ونجاه