بأن يكله إِلَى رأيهم واجتهادهم حتى نص عَلَيْهِ وجعله عملا فِي نفس الصلاة وهي أخص العبادات فَقَالَ:{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وبين علة ذلك بقوله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} ومن علم أن الاحتياط هكذا لا يقال أن التوكل عَلَيْهِ ترك مَا علم لكن التوكل التفويض فيما لا وسع فيه ولا طاقة قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام: "اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ" ولو كان التوكل ترك التحرز لخص به خير الخلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خير الأحوال وهي حالة الصلاة وَقَدْ ذهب الشافعي رحمه اللَّه إِلَى وجوب حمل السلاح حينئذ بقوله: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} فالتوكل لا يمنع من الاحتياط والاحتراز فَإِن مُوسَى عَلَيْهِ السلام لما قيل لَهُ: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} خرج ونبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ من مكة لخوفه من المتآمرين عَلَيْهِ ووقاه أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عنه بسد أثقاب الغار وأعطى القوم التحرز حقه ثم توكلوا وقال عز وجل فِي باب الاحتياط: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} وقال: {لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} وقال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} وهذا لأن الحركة للذب عَنِ النفس استعمال لنعمة اللَّه تعالى وكما أن اللَّه تعالى يريد إظهار نعمة المبدأة يريد إظهار وداعه فلا وجه لتعطيل مَا أودع اعتمادا عَلَى مَا جاد به لكن يجب استعمال مَا عندك ثم أطلب مَا عنده وَقَدْ جعل اللَّه تعالى للطير والبهائم عدة وأسلحة تدفع عنها الشرور كالمخلب والظفر والناب وخلق للآدمي عقلا يقوده إِلَى حمل والأسلحة ويهديه إِلَى التحصين بالأبنية والدروع ومن عطل نعمة اللَّه بترك الاحتراز فقد عطل حكمته كمن يترك الأغذية والأدوية ثم يموت جوعا أَوْ مرضا ولا أبله ممن يدعي العقل والعلم ويستسلم للبلاء إنما ينبغي أن تكون أعضاء المتوكل فِي الكسب وقلبه ساكن مفوض إِلَى الحق منع أَوْ أعطى لأن لا يرى إلا أن الحق سبحانه وتعالى لا يتصرف إلا بحكمة ومصلحة فمنعه عطاء فِي المعنى وكم زين للعجزة عجوزهم وسولت لهم أنفسهم أن التفريط توكل فصاروا فِي غرورهم بمثابة من اعتقد التهور شجاعة والخور حزما ومتى وضعت أسباب فأهملت كان ذلك جهلا بحكمة الواضع مثل وضع الطعام سببا للشبع والماء للري والدواء للمرض فَإِذَا ترك الإنسان ذلك إهوانا بالسبب ثم دعا وسأل فربما قيل لَهُ قد جعلنا لعافيتك سببا فَإِذَا لم تتناوله كان إهوانا لعطائنا فربما لم نعافك بغير سبب لإهوانك للسبب وما هَذَا إِلَى بمثابة من بين قراحة وماء الساقية رفسه بمسحاة فأخذ يصلي صلاة الاستسقاء طلبا للمطر فإنه لا يستحسن مِنْهُ ذلك شرعا ولا عقلا.
قال المصنف رحمه اللَّه: فَإِن قَالَ قائل كيف أحترز مَعَ القدر قيل لَهُ وَكَيْفَ لا تحترز مَعَ