للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخ يسلم إليه حاله لكان ذلك الشيخ أبا بَكْر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عنه وَقَدْ قَالَ إن اعوججت فقوموني ولم يقل فسلموا إلي ثم أنظر إِلَى الرسول صلوات اللَّه عَلَيْهِ كيف اعترضوا عَلَيْهِ فهذا عُمَر يَقُول مَا بالنا نقصر وَقَدْ أمنا وآخر يَقُول تنهانا عَنِ الوصال وتواصل وآخر يَقُول أمرتنا بالفسخ ولم تفسخ ثم إن وَاللَّه تعالى تقول لَهُ الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا} ويقول مُوسَى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} وإنما هذه الكلمة جعلها الصوفية ترفيها لقلوب المتقدمين وسلطنة سلكوها عَلَى الأتباع والمريدين كَمَا قَالَ تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} ولعل هذه الكلمة من القائلين منهم بأن العبد إذا عرف لم يضره مَا فعل وهذه نهاية الزندقة لأن الفقهاء أجمعوا عَلَى أنه لا حالة ينتهي إليها العارف إلا ويضيق عَلَيْهِ التكليف كأحوال الأنبياء يضايقون فِي الصغائر فالله اللَّه فِي الإصغاء إِلَى هؤلاء الفرغ الخالين من الإثبات وإنما هم زنادقة جمعوا بين مدارع العمال مرقعات وصوف وبين أعمال الخلعاء الملحدة أكل وشرب ورقص وسماع وإهمال لأحكام الشرع ولم تتجاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاؤا بوضع أهل الخلاعة.

فأول مَا وضعوا أسماء وقالوا حقيقة وشريعة وهذا قبيح لأن الشريعة مَا وضعه الحق لمصالح الخلق فما الحقيقة بعدها سوى مَا وقع فِي النفوس من إلقاء الشياطين وكل من رام الحقيقة فِي غير الشريعة فمغرور مخدوع وإن سمعوا أحدا يروي حديثا قالوا مساكين أخذوا علمهم ميتا عَنْ ميت وأخذنا علمنا عَنِ الحي الذي لا يموت فمن قَالَ حَدَّثَنِي أبي عَنْ جدي قلت حَدَّثَنِي قلبي عَنْ ربي فهلكوا وأهلكوا بهذه الخرافات قلوب الأغماز وأنفقت عليهم لأجلها الأموال لأن الفقهاء كالأطباء فِي ثمن الدواء صعبة والنفقة عَلَى هؤلاء كالنفقة عَلَى المغنيات وبغضهم الفقراء أكبر الزندقة لأن الفقهاء يخطرونهم بفتاويهم عَنْ ضلالهم وفسقهم والحق يثقل كَمَا تثقل الزكاة وما أخف البذل عَلَى المغنيات وإعطاء الشعراء عَلَى المدائح وكذلك بغضهم لأصحاب الحديث وَقَدْ أبدلوا إزالة العقل بالخمر بشيء سموه الحشيش والمعجون والغناء المحرم سموه السماع والوجد والتعرض بالوجد المزيل للعقل حرام كفى اللَّه الشريعة شر هذه الطائفة الجامعة بين دهمثة فِي اللبس وطيبة فِي العيش وخداع بألفاظ معسولة ليس تحتها سوى إهمال التكليف وهجران الشرع ولذلك خفوا عَلَى القلوب ولا دلالة عَلَى أنهم أرباب باطل أوضح من محبة طباع الدنيا لهم كمحبتهم أرباب اللهو والمغنيات.

قال ابْن عقيل فَإِن قَالَ قائل هم أهل نظافة ومحاريب وحسن سمت وأخلاق قَالَ فقلت لهم.

<<  <   >  >>